حقيقة الخير

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 461

تمّ التطرّق سابقًا إلى مفردة الخير وكثرة تداولها في أحاديث الناس، وأنّ للكلمة حضورًا في ديننا الحنيف، في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وفي هذا المقال سوف نتناول حقيقة الخير. قال الله سبحانه: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (الإسراء:11)، والمراد أنّ الإنسان يدعو بالشرّ ويطلبه كدعائه الخير وطلبه(1)، فلماذا يسعى الإنسان إلى ما فيه ضرره؟ لأنّه عجول لا يتريّث، فإذا أراد شيئًا سعى إليه من دون أن يقلّب الأمر، ولذلك قد يقع في المحذور، فالخير أو الشرّ ليس ما يُرى عبر نظرة سطحية، بل للخير حقيقةً، وقد أشارت بعض الروايات إلى بعض مصاديق الخير الحقيقي والشرّ الحقيقي، منها: أولًا: لا خير في ما بُني على باطل، فقد نرى إنسانًا منعّمًا، ونتمنّى أن نكون مثله، ونعدّه أنموذجًا ناجحًا في حياته لنقتدي به، لكن أساس نجاحه باطلًا، فهل هذا خير حقيقة؟ وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "ما خَيرُ خَيرٍ لا يُنالُ إلّا بِشَرٍّ،..."(2). ثانيًا: لا خير في ما كان طريقًا إلى الحرام وإن كان أصل المال حلالًا، لكن إذا صُرف في الحرام تحوّل هذا المال إلى وبال وشرّ؛ لأنّ نتائجه وخيمة، فالمال الذي يبعد الإنسان عن ربّه شرّ ليس بخير، والمال الذي يبعد صاحبه عن المسجد ومجالس الذكر والدعاء ليس بخير، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "لا تعدّنَّ خيرًا ما أدركتَ به شرًّا"(3)، وعنه (عليه السلام): "لا تعدّنّ شرًّا ما أدركتَ به خيرًا"(4). ثالثًا: الخير كثرة العلم، فهل من ساعٍ إليه؟ قليل! نعم، النظرة المهيمنة لمفهوم الخير كثرة المال والولد، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "لَيسَ الخَيرُ أن يَكثُرَ مالُكَ ووَلَدُكَ، ولكِنَّ الخَيرَ أن يَكثُرَ عِلمُكَ،..."(5). رابعًا: المصداق الأوضح للخير والشرّ هو الجنّة والنار، ففي الدنيا يسر لكن مع عسر، أو لذّة لكن يعقبها ألم، راحة ممزوجةٌ بتعب، لا نعيم خالص، أمّا في الآخرة فالنِعم دائمة لا تتغيّر ولا تزول، وليس معها همّ وقلق، والسعادة دائمة لا يشوبها حزن وشقاء، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "الخَيرُ كُلُّهُ أمامَكَ، وإنّ الشَّرَّ كُلَّهَ أمامَكَ، ولَن تَرى الخَيرَ والشَّرَّ إلّا بعدَ الآخِرَةِ، لأنّ اللَّهَ عزّ وجلّ جَعَلَ الخَيرَ كُلَّهُ في الجَنّةِ، والشَّرَّ كُلَّهُ في النّار"(6)، وبناءً عليه، كلّ عمل تكون نتائجه نعيمًا وجنّةً فهو خير حقيقيّ، وعكسه يكون الشرّ. السؤال التفاعلي: ورد في مقال (حقيقة الخير) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ما خَيرُ خَيرٍ لا يُنالُ إلّا بِشَرٍّ..."، المقصود من الحديث: أ. لا خير في ما كان طريقًا إلى الحرام. ب. لا خير في ما بُني على الباطل. ...................................................... (1)الميزان في تفسير القرآن: ج13، ص49. (2)ميزان الحكمة: ج2، ص١٤٢٠. (3)غُرر الحكم ودُرر الكلم: ج1، ص105. (4)عيون الحِكم والمواعظ: ص٥٢٠. (5)بحار الأنوار: ج٧٢، ص140. (6)المصدر نفسه: ج75، ص٢٨٤.