لماذا كنت أَخشى...؟
هل تمنّيتَ يومًا أن تكون الأوّل في المدرسة ومتفوّقًا على الجميع؟ يصفّق لكَ الطلّاب والمعلّمون وتحرز العلامات الجيّدة، وتقع فريسة نظرات زملائكَ الذين يماثلونكَ في الطول والعمر والشكل، ويختلفون عنكَ في المضمون؟ أنا كنتُ الأوّل في المدرسة، عندما كان يأتي إلى منزلنا ضيوف، كنتُ أسلّم عليهم وأذهب سريعًا لأكمل دراستي، أبي قد علّمني ذلك وأوضح لي أن لا دخل لي بمَن يأتي ومَن يذهب، وبمرور الزمن قلّ ضيوفنا؛ لأنّ أمّي قد أفهمتهم بطريقة غير مباشرة بأنّهم يصيبونني بالتشتّت. كنّا نقضي أيّام العيد والمناسبات في البيت، لم أكن أفهم ما معنى العيد وما هي التحضيرات والترتيبات التي يُعمل بها، غريب كيف أنّ أمّهات رفاقي كنَّ منشغلات بطبخ الطعام والحلويات، لكنّ أمّي كانت متوتّرة دومًا وتتابعني مثل المعلّمة بدوام كامل، من جانب آخر كان أبي هو مَن يوصلني إلى المدرسة بسيارته؛ لأنّه يخاف أن أتعلّم كلامًا بذيئًا من الطلاب. وبما أنّه يحبّني كثيرًا، كان يوصيني دائمًا بعدم اللعب معهم في أثناء الفرصة، خشية أن أتعرّض للتنمّر أو العراك. كنتُ مفخرة أبي وأمّي، فأنا الأوّل على المتفوّقين، وباستطاعتي حلّ جميع ألغاز الرياضيات والفيزياء، لكنّي لم أتعلّم كيف ألقي نكتة على زملائي أبدًا، أنا الآن طبيب، أو قل مهندس، فما الفرق؟! طبيب لم يضحك في حياته، أو مهندس لا يعرف كيف يمزح! أنا لا أعرف كيف أشتري الخبز ولم أذهب إلى نزهة مع رفيق! مع أنّني راشد، إلّا أنّني أخشى التحدّث مع الآخرين! لا أعرف ماذا أفعل إذا دُعيت إلى حفلة عرس؟ أو كيف أتصرّف في مجلس عزاء، وماذا أقول لهم؟ تلعثمتُ مرّة وقلتُ لصاحب العزاء: يوم لكم! مثلما أنّه في يوم من الأيام جاءنا الجيران بطعام وفاءً لنذر لهم، فلم أعرف كيف أتشكّر منهم؟ أنا الأوّل على الفصل، لكنّي أخشى الضفادع، أخشى من عيونها البارزة وجلدها المقزّز، وطريقة قفزها غير المألوفة، وكذلك أخشى الخِراف، والحشرات، والزواحف، وكلّ شيء، هذا الطالب الشاطر يخاف حتى من نفسه. أيّها الآباء! أيّتها الأمّهات! علّموا أولادكم قبل الذهاب إلى المدرسة تعليق ملابسهم بالمشجب وترتيبها في الخزانة، وكيفية فتح عُلب السردين والمعجون، وطريقة استخدام المفكّ، وإغلاق علب الشامبو، وسكب الماء من الإناء في الكأس، وعصر الملابس بعد غسلها، وتنظيف الحذاء، وغلق الباب بعد فتحه، وغسل الصحون وترتيبها، و... كلّها مهارات يجب تعليمها للطفل. فكّروا بالطالب الأول، وإذا رأيتم أمّي قولوا لها: إنّني كنتُ الأوّل في المدرسة والآخر في الحياة!