رياض الزهراء العدد 199 الملف التعليمي
بناء إِنسان أَم خلق ببغاء؟!
التربية والتعليم ركن مهمّ وأساسي للمجتمعات الحديثة، تتبنّاه الدولة وفق التطوّرات والتقنيات المعاصرة لتتماشى مع حاجة النشء الجديد بما يتيح له اكتساب المعارف والمهارات التي تسهم في بناء شخصيته المستقلّة، فأولًا علينا أن نفهم ونعترف أنّ الجيل الجديد يختلف عن الجيل الذي سبقه، ليس لأنّه واكب الانفتاح على التكنولوجيا والتواصل المفتوح بين مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، بل لاختلاف الظروف التي عاشها وتأثيرها في بناء شخصيته وثقافته ومزاجه، منها عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتماسه المباشر مع الفوضى واللانظام وفقدان الأمان، لاسيّما في المحافظات التي شهدت تدهورًا أمنيًا وأعمال عنف. والأمر الآخر هو أنّ أغلب الملاكات التربوية بقيت على النهج القديم ذاته في التدريس واعتماد الطرائق الكلاسيكية في التعليم، وهذا بحدّ ذاته خلق فجوة بين أهمّ طرفي عملية التعليم، ألا وهما المعلّم والطالب، فضلًا عن أنّ أغلب المناهج بقيت ذاتها من دون تطوير أو تجديد؛ لتتناسب مع الحاجات الفعلية للطلبة، ولا ننكر جهود المعنيّين بالتعليم في محاولاتهم للتجديد عن طريق البرامج المتنوّعة لتطوير التعليم في البلاد، لكن هناك ثغرات كثيرة منعت من تحقيق النجاح المرتقب لهذه البرامج، وأهمّها: التقييم الخارجي، الصديق الناقد، المدير المطوّر، التعويض ومواصلة التعلّم، وغيرها، بعد أن وُضعت معايير دقيقة للمدرسة بكلّ مكوّناتها البشرية والمادّية، وارتباطها بالشراكة المجتمعية. نحن نحتاج جيلًا مؤمنًا وملتزمًا ومتعلّمًا وقادرًا على مواجهة التحدّيات، لديه القدرة على الابتكار والعمل، مع تقبّل الطرف الآخر، وبناء جيل كهذا يحتاج ملاكًا مدرّبًا وواعيًا على هذه الاحتياجات، ولديه مرونة وعلمية للتفاعل مع هذا الجيل؛ ليسيرا معًا لتحقيق الرؤية المستقبلية، ومن ثم تكون مدارسنا جاذبة لهذا النشء الصعب، قادرة على احتوائه مع إعادة المتسرّبين من مقاعد الدراسة برغبة حقيقية لتعويض ما فاتهم، وإكمال دراستهم بنجاح. هناك أمر مهمّ لا ينبغي التغاضي عنه، لا من قِبل الأهل ولا من قِبل الملاكات التدريسية، ألا وهو عدم حاجة المجتمع إلى طلاب مجبرين على التفوّق الدراسي، بل بحاجة إلى إنسان ناجح ومتوازن، وموظّف وعامل ومهني مخلصين، وبحاجة إلى سائق ونجّار وبائع متعلّمين، وليس بالضرورة أن يكون الجميع أطبّاء أو مهندسين، فليكن هدفنا بناء إنسان لا خلق ببّغاء.