خيمة الزهراء (عليها السلام)
مع ارتفاع درجات الحرارة، اختلّ توازني وكدت أسقط من التعب، قطعتُ الشارع مسرعة نحو خيمة صغيرة على الرصيف المقابل، واندفعت بكلّ قوة نحوها، لكن كان المكان مكتظًّا بالزائرين، فجلستُ معهم، وأخذت نسمات الهواء البارد تنعش قلبي، وصرتُ أردّد: كيف يا ربّي سنحتمل نار جهنّم، ياربّ نسألكَ العفو والجنّة. وبينما أنا أستغيث من حرّ الصيف، إذ تسلّل إلى سمعي صوت خطيبة المنبر وهي تقرأ تعزية للسيّدة الزهراء (عليها السلام) مع مجموعة من النساء، وقفتُ وسط الجماهير صامتة، انتابني الحزن وهلّت أدمعي، وارتفعت الأصوات بالبكاء، فغطّيتُ وجهي بعباءتي مجهشةً بالبكاء، وجلستُ أستمع إلى المحاضرة، وأنا أردّد: كيف لهذه السيّدة الصغيرة في السنّ أن تُقتل في دارها، ويُقتل جنينها، وتُحرق عليها دارها؟! تفاصيل العزاء كانت تحرق صدري حزنًا، حتى علا صوتي بالصراخ: يا زهراء.... انتبه الجميع إلى صدى صرختي، وبعد ختام المجلس، اقتربت منّي الناعية وقالت: جعل الله دمعتكم وجزاءكم على السيّدة الزهراء (عليها السلام)، ومأجورين إن شاء الله. وضعت يدي على قلبي، فهنا جمرة تسعر، لم أمرّ من قبل بهذه التفاصيل وبهذا الوجع العميق، والآن عرفتُ ما معنى (المكسور ضلعها، والمغصوب حقّها، والمقتول جنينها). تعالت أصوات النساء بنداء: يا زهراء... ثم عادت الخطيبة مرّة أخرى، وقالت: روى سُليم بن قيس الهلالي (رضوان الله تعالى عليه) عن سلمان المحمّدي (رضوان الله تعالى عليه) في مجريات الهجوم على دار فاطمة (صلوات الله عليها): (فألجأها إلى عضادة بيتها ودفعها، فكسر ضلعًا من جنبها، فألقت جنينها من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت)(1)، فضجّ المكان بالعويل والصراخ لمظلومية الزهرة الهاشمية، الحوراء الإنسية (عليها السلام). ................................. (1)كتاب سُليم بن قيس الهلاليّ: ج2، ص586.