رياض الزهراء العدد 199 الحشد المقدس
وعد شهيد
على الرغم من الأصوات التي كانت تحيطني من كلّ جانب، والأيادي التي احتضنتني، ودموع الفرح التي رافقت ضحكات أمّي وأخوتي وأقاربي لحصولي على معدّلٍ عالٍ يؤهّلني لدخول كلية الطبّ، لمحتُ ثغره الباسم في الركن الذي كان قبالتي، مستبشرًا يشعر بالفخر، ورحل مودّعًا إياي بنظرات كأنّها كلمة مفهومة؛ ليخبرني بأنّه لا يستطيع البقاء طويلًا، ويجب أن يعود إلى عالمه الآخر؛ ليزفّ بشرى تفوّقي وتحقيق حلمه بأن أكون طبيبة إلى عالمه الآخر! هذا ما حدّثتنا به الطالبة (آية) في أثناء إعلان نتائج الامتحانات الوزارية، وتحقيقها معدّلًا عاليًا، لكنّها استدركت بالقول: كانت هناك غصّة في قلبي؛ لأنّ والدي نال شرف الشهادة بعد تلبيته نداء العقيدة، ومضيّه مع أصدقائه وجيراننا وأقاربنا من الرجال لمحاربة عصابات داعش الإرهابية، فما كان منّي إلّا أن أتشبّث بقميصه، طالبةً منه البقاء وعدم الذهاب إلى طريق قد لا يعود منه، فقلتّ له: أبي مَن سيوصلني إلى مدرستي، ومَن سيكون سندي من بعدكَ؟ فأجابني: بنيّتي كوني قوية، وتمسّكي بقلمكِ الذي سيكون يومًا سلاحكِ، وأتمنّى أن تجتهدي في دروسكِ وتحقّقي حلمكِ بأن تكوني أفضل طبيبة تراها عيناي، أمّا التحاقي للدفاع عن الوطن، فهذا أمر لابدّ منه، حتى تستطيعي العيش أنتِ وأخواتكِ بأمان، ولا تتمزّق كتبكِ، ولا تحترق مدرستكِ، وتبقى ضحكاتكِ وضحكات زميلاتكِ البريئة تملأ أرجاء المدرسة. بنيّتي: كوني كالشمس المضيئة التي تمدّ ضوءها إلى الآخرين؛ ليستمدّوا منها الحياة، وكوني كالمقاتل في المعركة يحمل السلاح؛ لينقذ أرواحًا تطلب النجدة، فأنتِ مقاتلة تصارعين المرض، وتسمعين أنين المرضى، وتقتلين الألم الذي يؤرّقهم، فكوني محاربة كأبيكِ، وأعدكِ بأنّني سأكون حاضرًا يوم فرحكِ، وسأفرح معكِ، حتى وإن متُّ شهيدًا في طريق الحرّية، فوعدتُه بأن أحقّق حلمه، وطلبتُ منه أن يفي بوعده ويأتي يوم فرحي عند إعلان النتائج. استشهد أبي بجسده، لكنّي شعرتُ بروحه جاءتني يوم استلام نتيجتي؛ ليفِي بوعده لي. اللهمّ فارحم شهداءنا الذين حقّقوا لنا حياة آمنة، لنا ولعوائلنا، فلهم منّا كلّ الامتنان.