رياض الزهراء العدد 199 بريد القراء
الجبر وعلاقته بالخاطر
(جبر الخواطر)، إنّها عبارة تتناقلها الشعوب، ففي الموروث العراقي يقولونها بصيغة دعوة: (ربّي يجبر بخاطركَ)، وهي دعوة طيّبة، يُدعا بها مقابل معروف ما، أو عمل طيّب قُدّم لصاحب الدعوة، وأحيانًا تكون الدعوة لشخص مقهور ومضطهد، فيدعو له الآخر بأن يرزقه الله تعالى فرحة كبيرة، تسرّ خاطره، أي تجبره لكثرة ما عاناه من مصائب وويلات، فيُقال له سيجبر الله بخاطركَ، فثق بالله. أمّا في الموروث المصري، فيُقال: (جبر الخواطر على الله)، ويُلاحظ فيها شيء من العتاب للآخرين، كأنّه يذكّر بأنّ قدرة الله تعلو على قدرة العباد، فليتمهّلوا وليتواضعوا للفقير أو طالب الحاجة، فتارة تأتي العبارة بصيغة العتب واللوم، ومرّة تأتي بصيغة الدعوة الطيّبة في مقابل عمل معروف، وفي كلا الحالين هي عبارة تدلّ على نقل القضيّة إلى الله تعالى، فهل من الممكن أن يبادر إلى قولها من صدّت عنه الدنيا، وعجز عن معرفة خالقها ومدبّر أمور العباد فيها؟ ففي لحظة اليأس من عطاء العباد واستمداد العون منهم، ينتقل العبد إلى مَن بيده كلّ شيء، والقادر على كلّ شيء، ولعلّ البعض يقولها من دون دراية بعظمة معناها، لكن بكلّ تأكيد يكون الجواب عليها مرضيّ، مثلما في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186). وإذا أردنا أن نبحث في معنى كلمة (الجبر) لغويًا، فسنرى أنّ من أسماء الله الحسنى (الجبّار)، أي القاهر خلقه على ما أراد من أمر ونهى، وكذلك جاء معناها: الذي يجبر بجوده، والجبر هو أن تغني الرجل من الفقر، كأن تقول: أجبرتُ فاقة الرجل، إذا أغنيتَه(1). وإذا أردنا أن نتعمّق في مفهوم الخاطر، فسنلاحظ أنّه ممّا يخطر في القلب من تدبير أو أمر(2)، فهي إذًا لغة خفيّة بين العبد وربّه، من دون التفات العبد إلى أنّ الله تعالى مطّلع على القلوب، وعالم بالحال. .............................................................................. (1)يُنظر: لسان العرب: ج1، ص521-522. (2)المصدر نفسه: ج1، ص1114.