جنة (باغ بابلان)
وُلدت السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام) في المدينة المنوّرة في سنة (173هـ)، وكانت تلقّب بـ(فاطمة الثانية) لكثرة شبهها بجدّتها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولقّبت بـ(المعصومة) لشدّة إيمانها وتقواها، وتنتمي هذه السيّدة الجليلة إلى شجرة النبوّة، تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، فهي فرع من الفروع العالية في سماء الإنسانية، وامتداد حقيقي لسيّدات بيت النبوّة. قدمت (عليها السلام) إلى قم في (23) من ربيع الأول من سنة (201هـ)، وبقيت فيها (17) يومًا في بيت موسى بن خزرج الأشعري، ثم تُوفّيت في (10) من ربيع الثاني من سنة (201هـ)، فبعد أن فرّق المأمون العبّاسي بينها وبين أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) بإبعاده إلى خراسان مكرهًا، لم تستطع على بُعد إمام زمانها وفراقه صبرًا؛ فقرّرت أن تذهب إليه وأن تقطع الطريق الوعر والبعيد في سبيل رؤيته، فتجهّزت هي ومَن معها من إخوتها وأقاربها لتقطع رحلة عشّاق الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة قاصدين خراسان، وفي الطريق تعبت ومرضت مرضًا شديدًا بحيث لم تقدر على مواصلة السير وإكمال السفر، فقالت (عليها السلام): "احملوني إلى قم"(1)، ولمّا وصلت إلى قم مرّ على موكبها راكب، فسأل لمَن هذا الموكب؟ فقيل له: هو لفاطمة بنت موسى بن جعفر (عليهم السلام)، وهي وافدة لرؤية أخيها الرضا (عليه السلام)، فذهب الرجل إلى مجلس موسى الأشعري ـ وهو زعيم الأشعريّين آنذاك ـ فقال الرجل: يا موسى، لقد حلّ الشرف في بلدكم، ونزلت الخيرات والبركات بساحتكم، فقال موسى: ما زلتَ مبشّرًا، ما الذي جرى؟ فقال: موكب أخت الرضا (عليه السلام) مقبل على قم، فلمّا سمع موسى بكى فرحًا، وخرج من قم لاستقبالها في بيته لينال شرف دخولها بيته(2)، وعندما تُوفّيت فُجع أهالي قم بتلك المصيبة وحزنوا حزنًا شديدًا، وأقاموا لها مآتم الحزن بعد أن قضت مظلومة مسمومة كأبيها وأخيها (عليهما السلام)، ودُفنت في بستان موسى الأشعري المسمّى (باغ بابلان)، وأوقف البستان على المسلمين كي يدفنوا فيه موتاهم حول المرقد الشريف، فدُفنت بجوارها زينب وأمّ محمّد وميمونة بنات الإمام الجواد (عليه السلام)، وبريهة بنت موسى المبرقع، وغيرهنَّ من العلويات والعلويين وأحفاد الأئمة (عليهم السلام)(3). ولقد كان لمدينة قم النصيب الأوفر في الأهمّية والمكانة القدسية، حيث احتضنت جثمان السيّدة المعصومة الطاهر، فنالت قم الأهمّية التاريخية والسياسية والثقافية والعمرانية والاقتصادية الكبيرة نتيجةً لاحتضانها مرقدها الشريف. وأمّا سبب تسمية المدينة بـ(قم)، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبائه (عليهم السلام) أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "لمّا أُسري بي إلى السماء، حملني جبرائيل على كتفه الأيمن، فنظرتُ إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونًا من الزعفران، وأطيب ريحًا من المسك، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس، فقلتُ يا جبرائيل، مَن صاحب البرنس؟ فقال: إبليس....فقلتُ: قم يا ملعون..."(4)، فسمّيت تلك البقعة بـ(قم). للسيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) منزلة رفيعة، والرقعة المباركة التي دُفنت فيها، أصبحت ملاذًا لكلّ مريض لينال شفاءه، وكلّ مهموم لتزيل همّه، وقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) بحقّ أخته أنّه قال: "مَن زارها فله الجنّة"(5). .................................................................. (1) بحار الأنوار: ج 48، ص290. (2) الإمام الرضا وأخته فاطمة المعصومة (عليهما السلام): ص103. (3) المصدر السابق: ج57، ص219. (4) الروضة بين الشهد والنجوم: ص16. (5) بحار الأنوار: ج99، ص265.