ثبات أَبي ذر الغفاري
عَلَم صلب العقيدة، ووتد في الموالاة لأهل البيت (عليهم السلام)، ذلك الوحيد الذي يعدل أمّةً في الإيمان والتقوى، أبو ذرّ الذي كان قبل البعثة موحّدًا على ملة إبراهيم (عليه السلام)، صحابيّ للنبيّ وآله (صلوات الله عليهم)، تحمّل من حكّام الجور النفي والتنكيل، ولم يذعن صاغرًا. كان يتّخذ من التأمّل محرابًا للعبادة؛ لذا كان قديرًا وذا مقام عند الله ورسوله وآل بيته، حتى قال عنه الحبيب المصطفى (صلّى الله عليه وآله): "ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ"(1)، فقد تكبّد الكثير من المِحن من أجل دينه وعقائده، وما جاء به النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من الحقّ، فمسيرته العطرة مليئة بصدق العقيدة، والثبات في ميدان الحقّ، ساحة الحقّ التي خلت من الفرسان إلّا الثلّة التي منَّ الله عليهم بالنجاة من الضلالة، فقد أبدع في الوفاء بالعهد، واستقبل غربته كأنّها جنّة، بها يصل إلى الفتح العظيم، فلم يغفل عن النصرة لا في القول ولا في الفعل، ولم يزدد في غربته إلّا مقامًا عاليًا عند أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، ولقد عاش أيامًا عجافًا في زمن نكث عهد الولاية إلّا القليل ممّن وفى ببيعته، فهو رائد الأوفياء، وصفاء الأتقياء الذي لم تأخذه في الله لومة لائم، صبر أيامًا قليلة من أجل خلود لا فناء بعده، ورسم لكلّ مؤمن طريقًا ينتهجه، ألا وهو: إذا كنتَ في طريق الحقّ وحيدًا، فلا يستوحشنّهُ فؤادكَ، فذلك دأب المتّقين. فعلى أبي ذرّ السلام، وعلى الأوفياء بالعهد تمام السلام حتى نرى نور الله الناظر في خلقه وقد بدى لنا: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (إبراهيم:48). .............................. (1) بحار الأنوار: ج35، ص323.