الأمان

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 392

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155). لطالما تنوّعت آيات القرآن الكريم في تعاليمها، وأحاطت بنا البركات والفيوضات الإلهية، وعندما نلمح أو نسمع كلمات الآية السابقة وتحديدًا الخوف، حينها نجد آفاقًا كثيرة تُفتح أمامنا، وترافقها العديد من علامات الاستفهام، بينما تسحبنا تلك الكلمة إلى ضدّها من شعور، ألا وهو الأمان. تُرى ما هذا الشعور الذي يترك بصماته على كلّ جهات الحياة الإنسانية، فعندما يتملّك الإنسان الخوف، فمن غير المهمّ تحديد جهة الخوف أو مصدره، فلكلّ شخص مخاوفه التي تؤرّقه وتقضّ مضجعه تنغّص حياته وتخيّم على ذهنه الأفكار السلبية السوداوية، عندها يتقلّص شعور الأمان وهو في طريقه إلى التلاشي في حال لم يُكتشف الخلل ويسعى الفرد ومَن حوله إلى تكميم شبح الخوف القاتل الصامت وإبعاده، فكثير من الأمور الحياتية يقوم الخوف بعرقلتها، سواء لدينا أو لدى الآخرين، وكم من فرصة في الحياة تسرّبت وانسابت من بين الأصابع إلى غير رجعه. وفرص التقدّم والازدهار إنّما يقتنصها مَن يملك مفاتيح الإقدام، والخلاص من قيود الخوف. وأسباب الخوف عديدة، كالخوف من المجهول، والخوف من التغيير، والخوف من التقدّم، حتى الخوف من النجاح! وإذا عدنا إلى الآية الكريمة لوجدناها تصف بكلّ دقّة: (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ)، أي جزء أو بعض من الخوف، وهذا الجزء القليل كفيل بقلب حياة الإنسان رأسًا على عقب، فلا يستطيع ممارسة طقوس يومه الطبيعية المعتادة، بل حتى لن يستطيع أن يخطّط للقادم، وسيكون هدفه أن تمرّ الساعات وهو على قيد الحياة، وهذا تأثير الجزء فقط، ولو قال تعالى (الخوف) كّله، لربّما لم يبقَ إنسان على وجه الأرض. إنّ الأمان هو من أهمّ ركائز الحياة والعلاقات الإنسانية السليمة، فشعور الأمان يمنح جميع الأطراف الراحة والطمأنينة والثقة بالآخر، فكلّنا نحتاج في مرحلة ما من حياتنا أن نتحدّث ونفرغ ما في جعبتنا بكلّ راحة ومن دون الالتفات يمينًا وشمالًا، وأن نعرف أنّ مَن يستمع لنا لا يمكن أن يتصيّد بالكلمات أو يشمت بالمواقف المؤلمة التي نمرّ بها، مثلما أنّ الأمان يؤدّي دورًا كبيرًا في دائرة العمل، حيث يثق الموظّف في أنّه لن تتمّ سرقة عصارة أفكاره وتجاربه، فيستمرّ بالإبداع وتقديم ما يضيف التميّز إلى مؤسّسة العمل حبًّا وتقديرًا.