رياض الزهراء مشاركات
ولاية العهد للإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)
بموت هارون العبّاسي وحدوث النزاعات والفتن بين ابنيه الأمين والمأمون، تنفّس عهد الإمام الرضا (عليه السلام) الصعداء أكثر فأكثر، وحظي أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بمزيد من الأمن والحرّية للالتفاف حول إمامهم وملازمته والانتهال من أنواره وهديه، لكن هذه الحرّية لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما انتصر المأمون على أخيه الأمين وقبض على أزمّة الأمور، فكتب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) يستقدمه إلى خراسان، فتعلّل أبو الحسن (عليه السلام) بعلل كثيرة رافضاً ذلك، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتى وجد (عليه السلام) أنّه لا محيص له، وأنّ المأمون لن يكفّ عنه، وجاء في الإرشاد للشيخ المفيد: (...وكان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب، فحملهم إليه من المدينة وفيهم الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام، فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤوه بهم، وكان المتولّي لإشخاصهم المعروف بالجلودي، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم داراً، وأنزل الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام داراً...)(1)، ووجّه إلى الفضل بن سهل مَن يعلمه أنّه يريد العقد للرضا (عليه السلام) في الخلافة أو ولاية العهد، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن يعظّم ذلك عليه، ويعرّفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه، فقال له: إنّي عاهدتُ الله أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرتُ بالمخلوع، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل، فاجتمعا معه على ما أراد، فأرسلهما إلى عليّ بن موسى (عليهما السلام)، فعرضا عليه فأبى، فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه، إلى أن قال له أحدهما: إن فعلتَ وإلّا فعلنا بكَ وصنعنا، وتهدّده، ثم قال له أحدهما: والله أمرني بضرب عنقكَ إذا خالفتَ ما يريد، ثم دعا به المأمون فخاطبه في ذلك فامتنع، فقال له قولاً شبيهاً بالتهديد، ثم قال له: إنّ عمر جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّكَ، وقال: مَن خالف فاضربوا عنقه، ولابدّ من قبول ذلك، فأجابه عليّ بن موسى إلى ما التمس مشترطاً أن لا يأمر ولا ينهى، ولا يقضي ولا يولّي ولا يعزل، فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه، وبقوا في ذلك نحو شهرين، كلّ ذلك وأبو الحسن الرضا (عليه السلام) يأبى أن يقبل ما يُعرض عليه، فلّما كثر الكلام والخطاب في هذا، قال المأمون: فولاية العهد، فأجابه إلى ذلك، وقال له: على شروطٍ أسألها، فقال المأمون: سلْ ما شئتَ. ومهما يكن من أمر، فقد تمّ الاتّفاق مع الإمام الرضا (عليه السلام) بقبول ولاية العهد، وجلس المأمون مجلساً خاصّاً، جمع فيه كبار أصحابه ورجال دولته، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الحاضرين برأي المأمون في عليّ بن موسى وأنّه ولّاه عهده، وأمرهم بلبس اللون الأخضر، والعود إلى بيعته في الخميس الآخر من شهر.... وبايعه الناس، وكان ذلك لخمس خلون من شهر رمضان أو لليلتين خلتا منه سنة (201هـ). وعلى كلّ حال فقد تمّ الأمر وأُعلن العهد والعقد، وما إن انفضّ حفل البيعة حتى أمر المأمون بأن يُخطب للرضا في كلّ البلدان والأقاليم بولاية العهد، وبأن يُزال السواد من الأعلام والملابس لتحلّ محلّه الخضرة، كما أمر أن تُضرب له الدنانير والدراهم ويُطبع عليها اسمه...(2) وفي اليوم الذي بُويع فيه بولاية العهد، قال بعض مواليه ممّن كان يختصّ به، نظر إليّ الرضا (عليه السلام) وقد داخلني من السرور ما لا مزيد عليه، وذلك لما تمّ من ظهور فضله (عليه السلام)، فأشار إليّ فدنوتُ منه، فقال لي في أذني سرّاً: "لا تشغل قلبكَ بشيء ممّا ترى من هذا الأمر، ولا تستبشر به فإنّه لا يتمّ"(3) أسباب قبول الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد: ورد في بعض النصوص المرويّة عن الإمام نفسه ما يبيّن لنا لمحات من تلك الدوافع، ممّا يزيدنا إدراكاً لحقيقة تلك الأسباب، منها ما رُوي عن الريّان بن الصلت أنّه دخل عليه فقال: يا بن رسول الله، الناس يقولون إنّكَ قبلتَ ولاية العهد مع إظهاركَ الزهد في الدنيا، فقال (عليه السلام): "قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرتُ بين قبول ذلك وبين القتل، اخترتُ القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنّ يوسف (عليه السلام) كان نبيّاً ورسولاً، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز، قال: (اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم)، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلتُ في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان"(4)، وجاء في رواية أخرى أنّه دخل عليه يوماً محمّد بن عرفة، فقال له: يا بن رسول الله، ما حملكَ على الدخول في ولاية العهد؟ فقال: "ما حمل جدّي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى"(5). _________ المصادر والمراجع: (1) الإرشاد: ج2، ص٢٥٩. (2) الأئمة الإثنا عشر (عليهم السلام)، سيرة وتاريخ. (3) منتهى الآمال. (4) و(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام).