ولاية العهد فرضٌ أم فريضة

عهود فاهم العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 126

المقدّمة: أمر الله تعالى نبيّه الكريم بتبليغ الناس أنّ الخليفة من بعده هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولا تكتمل الرسالة الإسلامية إلّا بتبيلغ أمر خلافة عليّ (عليه السلام)، فقال تعالى: "وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ"(المائدة:67)، وهذا دليل على عظم المسألة، فعليّ (عليه السلام) هو نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يحكم بكتاب الله وسنّة نبيّه، ومن بعده أولاده المعصومون (عليهم السلام)، ومستحيل أن يتحقّق هذا الأمر عند غيرهم، لكن الخلافة كانت محطّ أطماع الكلّ، وهي محور كلّ المصائب والويلات التي جرت على أهل البيت (عليهم السلام) بخاصّة وشيعتهم عامة، منذ مؤامرة السقيفة إلى يومنا هذا. إنّ الله سبحانه وتعالى يعلم أين يضع رسالته، فمثلما اختار رسوله الكريم اختار الخليفة من بعده، فصار الإيمان بالنبوّة والإمامة فريضة على كلّ مسلم ومسلمة. أهمّية الحكم في الدين الإسلامي: موضوع الحكم من المواضيع المهمّة التي تناولها القرآن الكريم، فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدين، ففيه صلاح الأمم وراحة الناس، وبعث الله تعالى الأنبياء والمرسلين ليعلّموا الناس بأنّ الأديان السماوية هي نُظم كاملة وراجحة في كافة المجالات، بما في ذلك النُظم السياسية ونظم الدولة الأخرى التي ينبغي على الإنسان وضعها نصب عينيه، ففيها تنظيم أمور الناس، وقد قال تعالى: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" (المائدة:48)، ورُوي أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال لعليّ (عليه السلام): "اكتب ما أُملي عليكَ، قال قلتُ: يا رسول الله، أتخاف إليّ النسيان؟ قال: لا، وقد دعوتُ الله عزَّ وجلَّ أن يجعلكَ حافظاً؛ ولكن اكتب لشركائكَ الأئمة من ولدكَ، بهم تُسقى أمتي الغيث، وبهم يُستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عن الناس البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء، وهذا أولهم - وأشار إلى الحسن (عليه السلام)، ثم قال: وهذا ثانيهم - وأشار إلى الحسين (عليه السلام)، ثم قال والأئمة من ولده (عليهم السلام)" ، وهذا ما جعل الإيمان بأحقّية الأئمة (عليهم السلام) بالحكم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة؛ لأنّهم أولى الخليقة بهذه المهمّة العظيمة، وهي الخلافة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لكن الملك مأمون العبّاسي كانت لديه نوايا وخطط مغايرة لما جاء به الله تعالى، فهو يعلم في قرارة نفسه أنّ الخلافة من حقّ الإمام الرضا (عليه السلام)، لكن أطماعه الدنيوية لا تسمح له بالتنازل عن الحكم الذي اغتصبه من آل البيت (عليهم السلام)، وهذا حال سائر ملوك بني العبّاس، وقد حلت الدنيا في عيونهم وتزيّنت منذ أن استلم المنصور الدوانيقي الحكم، وقد كان شديداً جافّاً شأنه شأن أيّ سلطان جائر، وأورث حبّ السلطة هذا إلى عقبه من بني العبّاس، حتى وصل الحكم إلى المأمون الذي استولى على السلطة في عهد الإمام الرضا (عليه السلام) وهو يعلم أنّ الإمام (عليه السلام) هو الخليفة الشرعي لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكان يخشى من مكانة الإمام الرضا (عليه السلام) الرفيعة بخاصّة التفاف الناس حوله. الإمام الرضا (عليه السلام) وولاية العهد: لقد عانى الإمام (عليه السلام) من جور السلطة العبّاسية وأتباعها من جهة، ومن جهل بعض الشيعة من جهة أخرى؛ لأنّهم لم يكونوا مدركين الموقف الصعب الذي وُضع فيه الإمام (عليه السلام) بخاصّة أنّ نهجه كنهج آبائه الطاهرين (عليهم السلام) في التعامل مع الحكّام والسلاطين، فلم يكن يأذن لأصحابه وأتباعه بأن يضعوا أيديهم بأيدي الظالمين، وهذا ما جعل المأمون يفرض ولاية العهد على الإمام (عليه السلام) وقد قبلها مكرهاً لا مختاراً، وقد جاء في خبر الريّان بن الصلت بشأن ذلك الأمر: قلتُ: "يا بن رسول الله، إنّ الناس يقولون: إنّكَ قبلتَ ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا، فقال (عليه السلام): "قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرتُ بين قبول ذلك وبين القتل، اخترت القبول على القتل"( )، إذاً، لقد أُجبر الإمام على قبولها؛ لأنّ المأمون يعلم أنّها وسيلة جديدة ينفّذ عن طريقها أطماعه، ويثبت للناس رضوخ الإمام الرضا (عليه السلام) لحكمه وسلطانه، وهو غير صحيح، فضلاً عن أنّه يريد أن يُبيّن للناس أنّ حبّ آل البيت فريضة عليه وعلى البشر أجمع، فصعد المنبر وقال: (أيّها الناس، جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب _ عليهم السلام _ والله لو قرأت هذه الأسماء على الصمّ والبكم لبرئوا بإذن الله عزّ وجلّ)( )، ولكنّه لم يؤمن بها بوصفها فريضة من الله تعالى، بل عدّها وسيلة لتحقيق أطماعه. المعصوم وطاعة الله: من الشبهات المطروحة أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) معصوم، وجميع فعله موافق لإرادة الله تعالى، إذاً ولاية العهد التي عرضها المأمون عليه مشروعة ومن حقّه فقبلها، ويجيب الإمام (عليه السلام) بنفسه عن شبهات كهذه، فعندما خيّره المأمون بين قبول الولاية أو القتل قال (عليه السلام) له: "قد نهاني الله عزّ وجلّ أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا، فافعل ما بدا لكَ، وأنا أقبل ذلك على أنّي لا أولّي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنّة، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً"، فرضي منه بذلك، وجعله وليّ عهده كراهة منه (عليه السلام). ويجب التنويه إلى أنّ المعصوم كغيره من الناس يفعل أعماله وأفعاله عن إرادة واختيار، فهو ليس مضطرّاً إلى فعل الطاعات أو ترك المحرّمات، بل يطيع الله تعالى بإرادته واختياره، لكنّه لعلمه الكامل وإحاطته الشاملة يختار الطاعة ويترك المخالفة لله. الاستنتاج: كانت ولاية العهد فرض وجبر على الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم يعرضها المأمون لإيمانه بأنّ حبّ الإمام بالمعصوم ومودّته فريضة عليه، وأنّ الخلافة هي من حقّه، بل ليحقّق أطماعة في السلطة من جهة، ويسكت الجبهات المعارضة له من جهة أخرى. المصادر: القرآن الكريم. • تحفة الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار، عماد الدين الطبري، تعريب عبد الرحمن مبارك، ط3. • عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ج1، ص158 ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، ١٩٨٤م. • تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمّد المشهدي، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي: ج7، ص140. • الإمام الرضا (عليه السلام) بين نصوص الرسالة وسلطة الرأي والقبيلة: عادل عبد الرحمن البدري.