المَرأَةُ والحَيَاةُ المُعَاصِرَةُ

وفاء عمر المسعودي
عدد المشاهدات : 218

الحياة المعاصرة ومتطلباتها الكثيرة والضغوط المادية التي أثقلت كاهل ربّ الأسرة دفعت المرآة إلى الانخراط في ميادين العمل؛ لكي تعين الرجل في سدّ احتياجات الأسرة المتزايدة, فأصبحت المرأة في صراع مع الوقت لكي تواجه في آن واحد عدة مسؤوليات أُلقيت على عاتقها غير الأمومة وتلبية احتياجات أسرتها ومَهمتها الأساسية في تنشئة أولادها تنشئةً صحيحة, (فالأم هي محور الأسرة وهي المؤثر الأساسي في شخصية الأبناء) وبين مَهمتها الجديدة وهي العمل المهني إذ تضطر إلى قضاء أكثر من نصف النهار خارج البيت, وهذه المعاناة هي القاسم المشترك بين الأم والأولاد، فهناك وجهات نظر مغايرة من حيث رؤية الأشخاص لهذا الموضوع، فبعضهم يعتقد أنّ عمل الأم هو تكملة لواجبها الرسالي لسد نواقص العائلة، ولكي يتعلّم الأولاد الاعتماد على أنفسهم في تلبية بعض احتياجاتهم, وأمّا وجهة النظر الأخرى فهي أنّ خروج الأم إلى العمل يسبّب فراغاً عاطفيّاً نفسيّاً يؤثّر في الأولاد تأثيراً سلبيّاً, وحاولت مجلة رياض الزهراء(عليها السلام) أن تستطلع بعض الآراء لمعرفة مدى إيجابيات هذه الظاهرة على الأسرة وسلبياتّها. ولمعرفة مدى التأثير النفسي في الطفل عند غياب الأم في أثناء خروجها للعمل التقينا بالدكتور عبد عون عبود جعفر المسعودي/ اختصاصي علم النفس, إذ أجابنا مشكوراً: إنّ الطفل يُولد من رحم منعزل عن العالم وأول شخص يتصل به هو الأم التي تغدق عليه من عواطفها الجياشة فتحاول بكلّ الطرق أن توفر له سبل الطمأنينة والراحة سواء في مأكله أم مشربه وتضمّه إلى حِجرها لكي تشعره بقربها منه، يدفعها هرمون الأمومة الذي حباه الله (عزّ وجل) فيها إلى العطاء الكامل بدون مقابل إلى وليدها الصغير فينظر هذا الوليد إلى العالم الخارجي عن طريق رؤية الأم له فتصبح العلاقة بينهما وطيدة جداً. وبما أن عمل الأم أصبح في الوقت الحاضر من الضروريات فتقع على الأم مسؤولية اختيار البدائل المناسبة عن شخصيتها في أثناء غيابها عنه ويجب عليها أن تضعه في أيدي أمينة تكسبه المبادئ الصحيحة للتربية لكي لا تقع الأم فيما بعد بمشاكل هي في غنى عنها، إذ إن الاختلاف بين الأم والشخصية البديلة يسبب مشاكل في ذهن الطفل وفكره ومن ثمَّ يقع ضحيّة هذا الاختلاف فيفقد التمييز بين الصواب والخطأ لذلك نصيحتي لكلّ أم عاملة أن تحاول بكلّ جهدها بعد رجوعها من العمل أن تشبع حاجات الطفل النفسيّة وذلك بجرعات مكثّفة من الحنان والمودة وأن تستوعب أن فكرة ابتعادها عنه يسبب له فراغاً عاطفياً لا يستطيع أي شخص تعويضه النزول بتفكيرها ومداركها إلى طريقة تفكيره ومداركه، فهي بذلك تجنّبه الكثير من الإحباطات التي تحدث له في أثناء غيابها. وأمّا في عمر المراهقة فالأولاد في هذه المرحلة يكونون أقل علقة بالأم من السابق وذلك لاهتماماتهم وأنشطتهم المختلفة, والحقيقة أنّ الإنسان مهما طال به العمر يكون بحاجة إلى وجود الأم بقربه. والتقينا ببعض أبناءالنساء العاملات لمعرفة آرائهم, ومنهم الأخت (س - ج) وهي ابنة موظفة عانت في صغرها من مزاولة أمها لمهنة التعليم: يعاني أطفال الموظفين من حالة عدم الاستقرار النفسي (السيكولوجي) بسبب انتقالهم المستمر بين الحضانة وبيت الجد أو أحد الأقارب وبيت الأسرة، إضافة إلى عدم الاكتفاء بما يغدقه الآباء من العاطفة عليهم، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تشتّت أفكار الأطفال وعدم إيجاد الوقت الكافي للتعبير عمّا يجول في خاطرهم أو طرح مشاكلهم سواءً المدرسية منها أم الاجتماعية؛ لذا أنصح الأم أن تعطي جلّ وقتها لأطفالها، فلا يوجد عمل أنسب إلى المرأة من الحفاظ على بيتها وعائلتها. ومن جانب آخر فإنّ بعض الأمهات يعملنَ على مساعدة أزواجهنّ في سدّ احتياجات البيت اليوميّة، وهو أيضاً أحد الجوانب المهمّة لدعم الأطفال في تقديم ما يحتاجونه من قضايا ماديّة، فلا يكون التقصير من قِبل الوالدين متعمداً وإنما ناتج عن دافع يطمح إليه الأبوان لتوفير ما يحتاجه الأبناء من رفاهية. تقول الابنة (هـ -ع) حينما كنتُ صغيرة كنتُ أتألم من الوقت الذي تقضية أمي في الدوام، فقد كنتُ أحتاجها إذ إنني لا أعرف كيف أغرف الطعام من القدر أو كيف أنظّف مكاني حينما أسكب شيئاً على الأرض، وكنتُ أعاني حتى من تبديل ملابسي، ولكني مع مرور الوقت تعلّمت أن أعتمد على نفسي، خصوصاً حينما كنتُ أرى والدتي تعود من عملها متعبة. أمّا الابنة (م - ا) تقول: أكثر شيء أعاني منه هو أنني أتحمّل مسؤولية البيت بدلا من والدتي؛ لأني الكبرى بين إخوتي، فحينما أعود من المدرسة أقوم بالأعمال التي لم تكملها أمي بسبب وقتها الضيق، فأقوم بعملها كمساهمة منّي بإعانتها، إضافة إلى العناية بإخوتي الأصغر مني سناً، على الرغم من أنني لا أريد أن أنشغل عن أداء واجباتي المدرسيّة. أمّا الأم (أم زين العابدين) فكان جوابها عن سؤالنا: ما هو انطباع أولادك عن عملكِ؟ وما مدى تأثيره في حياتهم اليومية؟ إنّ عملي سدّ الكثير من الثغرات الماديّة، وتعدّ هذه الوظيفة بالنسبة إليّ وإلى أولادي حلّاً لمعظم المشاكل، إذ إنهم يتفهمون عملي ويقدّمون لي يد العون في أحيان كثيرة، وهم على مستوى المسؤوليّة، فأنا أحاول أن أوفّق بين عملي وبين وظائف المنزل، فما دامت المرأة تستطيع ذلك فلا يوجد تأثير سلبي في عائلتها، وهذا ما لمسته أنا بنفسي، فلقد أعطى عملي لأولادي فرصة للتقرّب من بعضهم، والتعاون فيما بينهم في حال عدم تواجدي أنا وزوجي في البيت. تطمح المرأة دائماً إلى إشاعة جوّ السعادة في أسرتها ومن نكرانها الدائم لذاتها تُحمّل نفسها أكثر من طاقتها في عمل مستمر ودؤوب؛ لتنتشل أسرتها من أرض الخصاصة والفقر إلى أرض الغنى والثروة؛ ولتسد جميع احتياجات عائلتها، فهي تضع مسؤوليّة جديدة في رقبتها عن طريق عملها خارج بيتها، ولكن عليها أن لا تنسى رسالتها الحقيقية في إعداد جيل واعٍ مؤمن بقيم الإسلام الخالدة، فتوفير النقود للأولاد ليس دائماً السبب الوحيد في إسعادهم، وإنما إحاطة الأولاد بحضنٍ دافئ يقيهم من الوقوع في شباك الحياة العصرية وإغراءاتها، فالأولاد هم ثمرة الحياة الزوجيّة، وهم المكسب الحقيقي للعائلة، وإن كان لابدّ من العمل لها فيجب أن تختار العمل المناسب لها، وأن تمسك بزمام الأمور من خلال التوفيق بين عملها والمنزل. فألف تحية لكلّ أم تسهر على عيالها وتضحي براحتها من أجل ابتسامة تنعقد على ثغر أولادها، وتجمع النجاح في عملها في داخل البيت وخارجه.