جِهَازُ الهَاتِفِ النَّقالِ (المُوبَايِل) السَّبَبُ الرَّئِيسِيّ لحَالَاتِ الطَّلَاق

دعاء جمال الحسيني
عدد المشاهدات : 214

خلف أسوار المحاكم تكمن معاناة كبيرة في قصص الطلاق الكثيرة التي تحدث كلّ يوم لتحطم صفاء الأسرة، وبهذا يتهدم بناء المجتمع وتماسكه، فإحصائية الطلاق لسنة 2013م التي زُوّدنا بها من محكمة استئناف مدينة كربلاء المقدسة هي 2353 حالة، وحالات الصلح بين الأزواج التي حصلت هي 121 حالة، وأسباب الطلاق كثيرة ومتعددة، لكن أغلب حالات الطلاق تحصل نتيجة التقنيات الحديثة التي اجتاحت مجتمعنا من أجهزة الموبايل الذكية التي تتيح سهولة الاتصالات المباشرة بين الأشخاص، فما يقارب نصف حالات الطلاق الحاصلة هي بسبب أجهزة الموبايل، ويبقى السؤال مبهماً، هل السبب هو دخول هذه التقنيات إلى مجتمعنا أم السبب هو سوء استخدام هذه التقنيات أو الخلل في عدم التوعية لكيفية استثمار هذه التقنيات بصورة إيجابية؟كثير من حالات الطلاق حصلت وستحصل بسبب التكنولوجيا الحديثة، وهناك حالات كان الصلح فيها أولى، ومن حالات الإخفاق في الزواج بسبب التقنيات الحديثة هي الزوجة (ل ـ م) التي أهملت زوجها واستغلت وقتها في إقامة المجموعات المختلطة عن طريق الموبايل، وصارت واجباتها الزوجية قيد التأجيل، ولم يفلح تذمّر الزوج وانكداره فكان الإهمال واضحاً من قبلها، فلم تستجب لطلب زوجها في تحديد وقت معيّن لاستخدام جهاز الموبايل، ولهذا السبب لم تستمر العلاقة الزوجيّة بينهما، فلم تكن نهاية هذا الخلاف البسيط الصلح، فعلى العكس من ذلك كان الطلاق هو النهاية. وعملت الزوجة (ك ـ ر) على استغلال وقت فراغها بالتحدّث مع أشخاص غرباء عن طريق الموبايل، واستغلت تغيّب الزوج عن المنزل بسبب عمله الذي يغيب فيه عدة أيام لتوفير العيش الرغيد لأسرته، واكتشف الزوج هذه العلاقة عن طريق الجهاز نفسه، وانتهى الزواج بالطلاق وأدى هذا التصرف غير الأخلاقي إلى هدم كيان الأسرة ليُحرم الأطفال من حنان الأبوين معاً. وقد اجتمع الزوج (س ـ ع) عن طريق الشبكة العنكبوتية بزميلته التي كانت تجمعهما مقاعد الدراسة في السابق لتستمر المحادثة بينهما مما أدى إلى معرفة الزوجة بهذا الحديث، فنتج وقوع الخلافات بينه وبين زوجته ووصلت إلى أبواب المحاكم ليطالب الزوجان بالطلاق، ولكن شعور الزوج بزلّته ومسامحة الزوجة له أدى إلى مصالحتهما ليكملا حياتهما معاً وليتخذا الجانب الإيجابي من هذه التجربة، ولو تم الطلاق لأصبحا حالة من حالات الطلاق الكثيرة الذي بسببه تحطمت كيان الأسر. بسبب انتشار هذه الظاهرة؛ لابدّ من معرفة الأسباب والحلول للحدّ من هذه المشكلة، فتوجهت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) إلى محكمة استئناف كربلاء المقدسة لمعايشة هذه المشاكل والتقينا بالسيدة فوزية رشيد عبد/ باحثة اجتماعية في المحكمة وقد تحدثت عن هذه المشكلة قائلة: في البداية يجب فهم المشكلة من الطرفين (الزوج والزوجة)، ويجب إفهامهما عن النتائج السلبية المستقبلية المترتّبة بسبب الطلاق، وخاصة حين وجود الأطفال بينهما، فأيّ مشكلة تحصل بينهما يجب أن لا يلتجئا إلى المحكمة ليتم الطلاق بينهما، فعليهما أن يجدا معاً الحل المناسب لها، وإن لم يجدا الحل المناسب فعليهما استشارة طرف ثالث حكيم من جانب الأهل لحلّ هذه المشكلة، وكثير من حالات الطلاق تحصل بسبب استخدام وسائل الاتصال الحديثة بصورة خاطئة، وخاصة نحن نعاني من دخول ثقافة الغرب عن طريق انتشار البرامج الأجنبيّة وإتاحتها التي تنافي ثقافة مجتمعنا الإسلامي المتمثل بآل البيت (عليهم السلام). فيجب على الأشخاص أن يستخدموها لأهداف صالحة كمتابعة البرامج الدينية والثقافية وغيرها من البرامج الهادفة وجعلها وسيلة للتواصل مع الأهل والأقارب. ونحن من جانبنا نوجه نصيحة للأزواج بجعل زوجاتهم نصب أعينهم، وأن لا يفسحوا المجال لهم بالحريّة الزائدة على أن تكون الثقة موجودة، وأن يخصّصوا لهم وقتاً للخروج سويّة لكي لا تحسّ الزوجة بالملل لتتجه إلى هذه الوسائل في التسلية. وانعدام الوازع الديني هو السبب الرئيس في الانجراف إلى أمور كهذه؛ لذلك نحن ندعو جميع المنابر الدينية وخاصة في خطب الجمع للالتفات إلى مناقشة هذه الأمور والتركيز عليها ونحن نطالب المختصين في الشؤون الاجتماعيّة بعمل الندوات التثقيفية في كيفيّة الاستخدام الصحيح لهذه التقنيات. ولمعرفة رأي ديننا الحنيف الذي نجد فيه الحلول المثلى لهذه القضايا الشائكة التقينا بالسيّدة (رجاء محمد علي/ التوجيه الديني النسوي/ العتبة العباسية المقدسة) لتحدثنا عن هذا الأمر قائلة: إنّ الاستعمال غير المسؤول للتكنولوجيا الحديثة مِن قِبل الزوج أو الزوجة وعدم التورع في الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي وقتل الوقت في الدخول إلى مواقع لا فائدة منها فضلاً عن مواقع محرّمة - هذا كلّه - يؤدي إلى تسلّل الصمت القاتل إلى روح الأسرة وتفكك العلاقة الأسريّة بين الزوجين فتكون الصديقة والمجموعة (الكروب) هما محل ترفيه الزوجة ومجال صرف جلّ أوقاتها وقد تدخل في محادثات مع رجل لا يجوز لها شرعاً التكلّم معه حتى ولو كتابة وهذا ما لا يهتم به كثير من النساء والرجال فإنّ المحادثات الكتابيّة بين الجنسين على الانترنيت لا تجوز شرعاً. وقد اتضح جلياً واضحاً مدى تأثير الانترنيت على المكلّف إذا لم يكن متسلّحاً بشكل كافٍ (ثقافياً ودينياً) قبل الخوض في هذا المجال والعاقل يأخذ من كلّ شي بقدر حاجته؛ لأن الناقص منه لا ينفع والزائد منه يضر. وفي السؤال الموجّه إلى (السيد محمد الموسوي/ مسؤول شعبة الاستفتاءات الشرعية/ العتبة العباسية المقدسة) عن ضرورة الالتزام بما يقوله مراجعنا العليا فأجاب: إنّ من نعم المولى تبارك وتعالى على عباده أن ألهمهم ذلك العقل الجبار بحيث يفوقون بحسن إفاداته ملائكة الرحمن، ولكن متى ما أُسدل عليه غشاء الهوى تعامى صاحبه وأهوى به في درك النيران، ومِن تلك النعم هو التطور الهائل بوسائل التلقي من مرئيّات ومسموعات وغيرها والتي أصبح المسلم يعتقد بمضمونها ويستقبل نصوصها كالمسلّمات على الرغم من ما تبثه من غث وسمين، ليفرز غثها تلالاً من المصائب صُبّت على مجتمعاتنا المسلمة، ومن تلك المصائب مشكلة الطلاق. نعم لقد أكّدت الكثير من الدراسات العلميّة أن الطلاق صار يحدث لأتفه الأسباب، وقد تم في دراسة مسبقة إحصاء أسبابه في أكثر من عشرين محوراً كان في ضمنها ما يتلقاه الزوج والزوجة من أسلوب الحياة الغربيّة في أكثر المسلسلات والأفلام ذات المقاصد المحرّمة. ولذا كان لزاماً بجهاتنا الدينيّة من استشارة مرجعياتها العليا لإبداء الرأي بما يعرض من مضامين منحرفة في أغلب وسائل الإعلام فكان نص الجواب كالأتي: "يحرم النظر إليها مع التلذذ الشهوي أو خوف الوقوع في الحرام، بل الأحوط لزوماً ترك النظر إليها وإن كان بدونهما، وعلى المؤمنين أن يأخذوا الحيطة والحذر من كلّ ما يعرض التلفزيون والفضائيات وخصوصاً أولياء الأمور فإن عليهم أن يختاروا لأبنائهم كلّ ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم وأن يبعدوهم عن كلّ ما يلوث فطرتهم النقية أو يُفسد أخلاقهم ولا حول ولا قوة إلّا بالله". فينبغي على الزوج والزوجة أن يراعي أحدهما اﻵخر وأن يجعلا التفاهم والمصارحة أساساً متيناً لعلاقتهما وأن ﻻ يتخذا من الطلاق الحل الوحيد لإنهاء هذا الرابط المقدس ويجب أن يجعلا حديث الرسول محمد: (صلى الله عليه وآله) "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق"(1) نصب أعينهما. ........................... (1) كلمات الرسول: ج1، ص240.