رياض الزهراء العدد 201 أنوار قرآنية
دلالة الميزان في سورة الرحمن
الميزان في اللغة: مفرد وجمعه (موازين) اسم آلة من (وَزَنَ): آلة تُوزن بها الأشياء لمعرفة مقدارها من الثقل، وهو رمز العدل، فقد جاء في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)(الرحمن:9)، والميزان في المعنى الاصطلاحي أوسع من كونه آلةً مادّية لقياس الوزن، إذ يشمل مفهومه مراعاة العدل والإنصاف في أقوال الإنسان وأفعاله، أي يمكن أن يكون الميزان مادّيًا ويمكن أن يكون معنويًا، فلكلّ شيء في هذه الدنيا ميزانه الخاصّ كي نحقّق العدل بلا إفراط ولا تفريط، وبمعنى آخر الميزان (كلّ وسيلة تُستعمل للقياس، سواء كان قياس الحقّ من الباطل، أو العدل من الظلم والجور، أو قياس القِيم وحقوق الإنسان في المراحل الاجتماعية المختلفة، والميزان يشمل كذلك كلّ نظام تكويني ودستور اجتماعي؛ لأنّه وسيلة لقياس جميع الأشياء)(١). وعليه، إنّها مفردة ذُكرت في القرآن الكريم في عدّة مواضع وبمعانٍ عديدة، أحيانًا وردت بصيغة المفرد وأحيانًا أخرى بصيغة الجمع، (وقد ذُكر لفظ (الوزن) و(الميزان) في القرآن الكريم في (23) آية، منها (15) آية خاصّة بالحثّ على إقامة العدل في ميزان الدنيا، والحذر من التطفيف في الكيل والميزان المستوجب لعذاب الله، ومنها (8) آيات خاصّة بالوزن في الآخرة)(2)، وقد تكرّر لفظ (الميزان) في سورة (الرحمن) (3) مرّات متتالية في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ, أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ, وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن:7-9)، وقد ذُكر أنّ هذه الموازين الثلاثة مختلفة في ما بينها؛ لأنّه لو كان ميزانًا واحدًا لعوّض عنه الضمير في الآيتين اللاحقتين، وأمّا دلالات هذه الموازين الثلاثة فهي باختصار: الدلالة الأولى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)، ويعني الميزان هنا القوانين والمعايير التي وضعها الله تعالى لتسيير عالم الوجود بأنظمة دقيقة جدًا، ترفع السماء وتسيّر الأفلاك والأجرام السماوية. الدلالة الثانية: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ)، ويدلّ على ميزان الشرائع والقوانين التي تنظّم حياة الإنسان، مثلما نظّمت مسيرة الكون الفسيح في الميزان الأول، (حيث يُوجّه الخطاب لبني الإنسان الذين يشكّلون جزءًا من هذا العالم العظيم، ويلفت انتباههم إلى أنّهم لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي في هذا العالم إلّا إذا كان له نظم وموازين، ولذلك فلابدّ من أن تكون للبشر نظم وموازين أيضًا حتى يتلاءموا في العيش مع هذا الوجود الكبير الذي تحكمه النواميس والقوانين الإلهية)(3)، فلا يطغى الإنسان في موازين حياته المادّية والمعنوية ما دام ملتزمًا بموازين الشريعة. الدلالة الثالثة: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)، ويدلّ الميزان هنا على الآلة التي تُستخدم لحساب الوزن، والأمانة في التعامل مع الآخرين في تنظيم الجانب الاجتماعي، والحثّ على الصدق، وعدم الغشّ. دلالات الموازين الثلاثة هذه تشير إلى حركة الكون وتنظيم موازينه من الدائرة الأوسع، فالأضيق، فالأضيق، بحركة انسيابية عبر (3) آيات متتالية لتنظيم حياة الإنسان في مستوياته الفردية والاجتماعية لبناء مجتمع نظيف. ............................ (1) مختصر الأمثل: ج5، ص52. (2) سلسلة أركان الإيمان: ج٥، ص٢٠٨. (3) المصدر السابق: ج١٧، ص٣٧٤.