فتات البسكويت

زينب ناصر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 459

كنت جالسة أشاهد التلفاز حين أصر طفلي (أحمد) على أن يسكب اللبن في الكأس بنفسه وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره بعد، وكلما حاولت أن أفهمه أن هذا سوف يحدث بعثرة في المكان، وسوف يثير الفوضى، لم يفهم بل أصر أكثر فتركته، قام بصب القليل من اللبن في الكأس وأفرغ الباقي على الطاولة، بعدها أصر على تفتيت البسكويت وغمسه في اللبن.. بعد ساعة قدمت له حبات الرمان الشهية اللذيذة في طبق مع كأس ماء، وقد وضعت له ملعقته الخاصة، لكنه بدأ بإضافة حبات الرمان إلى الكأس، ثم إدخال يده وإخراجها، ثم تناول الحبات.. لماذا كلما أحاول الترتيب، يجد هذا الطفل طريقة للفوضى وكسر القوانين وإثارة البعثرة، يا له من طفل متعب ومشاغب! لقد بلغ الأمر حده، ويجب التوقف عن ذلك فورًا، فهذا الأمر يخالف قواعد الآداب الاجتماعية.. أحمد: أحيانًا أشعر أنني في سجن حيث لا تدعني أمي وشأني، كأنني في معسكر، تحب أن تراني جالسًا في ركن من أركان البيت لا أتحرك ولا ألمس شيئًا، وأنا متأكد أني لو قمت بهذا فسوف لن تترك وليا ولا نبيا إلا وتتوسل إليه من أجل أن أعود إلى رشدي وأشفى من علتي، فمثلًا عندما تطعمني البسكويت، فأني أريد أن أرى ماذا يحدث عندما ألقيه في اللبن، فمنظره جميل عندما يبتل ويبدأ بالاضمحلال والنزول إلى قعر الكأس، وحبات الرمان أيضًا تثيرني بهجةً عندما تتراقص على صفحة الماء وتبدأ بالنزول، كم أشعر بالمرح والغبطة عندما تبتل يداي وأنا أتصيد حبات الرمان القرمزية من الكأس، يا له من أمر ممتع... تعتقد أغلب الأمهات أن تصرفات كهذه فوضوية، تخالف النظام وتثير الإرباك، ولابد من تعليم الطفل أصول تناول الطعام منذ الصغر، لكن إذا استطعنا أن نميز في ظروف مختلفة هل أن ما يقوم به طفلنا هو في الحقيقة أمر سيئ، أو أن ما اعتدنا عليه من أعراف اجتماعية وقوانين التواصل هي من تصنف ذلك في ضمن التصرفات السيئة؟ فهذا النوع من التفكير يسوق الآباء نحو شيء من التوازن، وستتحول الكثير من تصرفات الأطفال إلى أمور عادية وبديهية، بل من ضمن العملية التربوية التي تحتاج إلى التجريب، مثلما ستتحول مرحلة الطفولة إلى رحلة ممتعة، مليئة بالفرح والسعادة، فترك الطفل يخوض التجارب بنفسه حتى يكتشف بيئته التي من حوله، تزيد من قدراته الإبداعية وثقته بالنفس، وتنمية مهاراته قبل أقرانه.