رياض الزهراء العدد 201 شخصيات ملهمة
ابنة المجد
في ربوع المجد والعزة بين البشر، كانت الشجاعة رمزًا لكرام العرب، ومنها انطلق ذلك الركب حتى أدركه الليل، فغشى النعاس أصحابه، وإذا برؤيا تنير لصاحبها (حزام بن خالد بن ربيعة): كأنه جالس في أرض خصبة، وقد انعزل في ناحية عن جماعته وبيده درة، يقلبها وهو متعجب من حسن رونقها، وإذا برجل من صدر البرية يسلم عليه، ثم يقول: بكمْ تبيع هذه الدرة؟ فأجابه (حزام): إني لا أعرف قيمتها حتى أقول لك، ولكن أنت بكمْ تشتريها؟ فأجابه الرجل: وأنا كذلك لا أعرف لها قيمة، ولكن أهدها إلى أحد الأمراء وأنا الضامن لك بشيء هو أغلى من الدراهم والدنانير. فقال (حزام): فما هو؟ قال: أضمن لك الحظوة عنده، والزلفى والشرف والسؤدد أبد الآبدين. فرد (حزام): أتضمن لي ذلك؟ قال: نعم، وأنا الواسطة، ثم أعطاها إياه، فانتبه (حزام) من نومه وطلب تأويل رؤياه، فجاءه الرد: إنك سترزق بنتًا يخطبها منك أحد العظماء، وتنال بسببها القربى والشرف والسؤدد(١)، وأي أمير خير من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ينال هذه الدرة الثمينة، فيكتسب أهلها الشرف أبد الآبدين؟! إنه وعد قد أعطي في المنام لـ(حزام)، واليوم نرى منارةً لا ينطفئ نورها، شيدت بيد خير خلق الله، وصيغت بأبهى الصور، فكان من حزام أم البنين (عليها السلام) درة والديها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، نعم الزوجة، العارفة بحق أهل البيت (عليهم السلام)، والمخلصة في ولائهم، والممحضة في مودتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحل الرفيع، وبلغ من عظمتها ومعرفتها بمقام أهل البيت (عليهم السلام) أنها لما دخلت دار أمير المؤمنين (عليه السلام) كان الحسنان مريضين، فأخذت ترعاهما، وتلقي على مسامعهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب، وأبت أن يذكر اسمها في حضرة الحسنين (عليهما السلام) لكيلا يصيبهما حزن الفقدان، فما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما، وتخضع لهما كالأم الحنون؛ لأنها استضاءت بأنوار الولاية منذ نعومة أظفارها، وكبرت في رياضها، وتأدبت بآداب الدين الحنيف، وتخلقت بأخلاقه، فكانت خير من عمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، حتى رزقها الباري تعالى زينة الحياة، بنيها الأربعة، وعلى رأسهم بدر الهواشم العباس (عليه السلام)، وما كان منها إلا أن تربيهم على الفداء والتضحية، وتعلمهم علم اليقين، فالولد يأخذ من أمه، وهي التي تغرس فيه كل أصول الخير، وهي المدرسة الأولى فإن علمت خيرًا فخيرًا، وإن شرا فشرا، والسيدة أم البنين (عليها السلام) هي الأم الأنموذجية الصالحة الأصيلة، سليلة المجد والسؤدد، وقد انعكست شخصيتها الإيجابية على شخصية أبنائها، فقد امتازت بالنجابة، والنقاء، والطهارة، والشجاعة، والكرم، والسخاء، والجود، واتصفت بالصفاء، والصدق، والإباء والأنفة، والحمية، وزادها اقترانها بأمير المؤمنين (عليه السلام) إيمانًا، وحكمةً، وبلاغةً، فكيف لا تغرس في نفوس أولادها الولاء والإخلاص والطاعة لأبيهم ولأخويهم الحسن والحسين (عليهم السلام)؟ حتى احتضنتهم كربلاء مفارقين دنياهم، عارفين بحق إمامهم، ملبين وصية طبعتها أمهم على جوارحهم، فأضافت إلى المجد الأكمل مجدها الأثيل، واستكملت الفضائل بالصبر والتضحية بإيمان راسخ، فكان لها الشرف الباذخ حتى انتهى بها المطاف إلى مثواها الأخير في بقيع الغرقد، ولم تنته آثارها الجليلة الخالدة، وذكراها العطرة، وشعلتها القدسية الوقادة مدى الأجيال والعصور حتى النهاية، والذي يتبادر إلى الذهن عند ذكر اسمها أو كنيتها هو الشخصية الكريمة والذات الطاهرة، والمثال العالي للمرأة، مفخرة الشخصيات النسوية الجليلة القدر السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية العامرية أم البنين (عليها السلام)، فالإنسان يكون كبيرًا بعطائه، وعظيمًا بتضحياته النفيسة، وخالدًا بمواقفه العظيمة، بخاصة في المواقف الصعبة والشديدة، وهذا أحد أسرار خلودها ونيلها الشهرة بين الناس. ........................................... (١) السيدة أم البنين (عليها السلام) سيرتها وكراماتها: ص44.