فن الكتابة

أمل حميد الموسويّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 209

الكتابة إبداع وتنظيم، إيجاد غير الموجود أو إعادة تنظيم الموجود، هكذا أراها، فعندما تخطين بالقلم لتنشئي عالمًا جديدًا وفكرة غير مطروقة سابقًا، أو تعيدي تنظيم الأفكار بشكل جديد، وتلبسيها حلة جديدة، فهو إبداع، مثلما أن الاختلاف بين الأقلام أمر منطقي، فعندما يطلب من مجموعة من الكتاب أن يتناولوا موضوعًا ما، فسنجد الاختلاف بينهم واضحًا مع أن الموضوع واحد، لكن الطرح والمعالجة تختلف بين كاتب وآخر، فنجد الرديء والجيد، والمبتكر، بما يتميز به كاتب عن آخر، كأن المكتوب مرآة عن كاتبه، تعكس شخصيته ووعيه ومعارفه الثقافية والعلمية. وهناك عدة عوامل لابد من توافرها في الكاتب، فضلًا عن سلامة اللغة ومعرفة قواعدها في النحو والصرف والبلاغة، تعد الثقافة وسعة الاطلاع مصدرًا مهمًا لجودة الكتابة؛ لأن التنوع في مصادر المعرفة يفتح آفاقًا جديدةً ومتعددةً لإغناء الكاتب بعمق الوعي والإدراك، ومواكبة التطور المعرفي: الكمي والنوعي. فعندما يتعامل الرسام مع الألوان والخطوط في إبداع لوحة جديدة لينشئ عالمًا آخر نبحر في تفاصيله، ودلالات ألوانه، وما توحيه الخطوط والمنحنيات، فكذلك الكتابة هي إبداع وجود جديد، يسحرنا الغوص في معانيه وأفكاره، ودلالات كلماته بما تحمله من معانٍ وإيقاع، والتي يزينها أسلوب الكاتب وسعة اطلاعه؛ لأن الأسلوب هو الكاتب، والعكس صحيح، وهذا ما يجعلنا لا نرغب بقراءة نتاج كاتب ما، ونتذوق نتاج كاتب آخر، يسحرنا بمفرداته والإيحاءات المكتنزة بالمعاني والتأويلات، كأن المفردة بمنزلة الفصول المتعاقبة بعطرها وعنفوانها، أو ببردها المتشح ببياض كالثلج الناصع. والكتابة بكل ما فيها من سحر هي طبيب معالج، فحين تعتمل الفكرة وتجول في خاطر الأديب، تتحول إلى هم يثقل قلبه، فيحاول إخراجه بعد أن تكتمل عناصر النص، عندها تكون راحة النفس المعذبة، أو أحيانًا تشبه جنينًا ينمو مستمدًا عناصر وجوده من خزين الكاتب وقوته، فنراه قلقًا مضطربًا، وعند نضوج الجنين واقتراب ولادته يكون المخاض بولادة نص جديد، يتعافى بعده الكاتب إلى حين، بعد موسم فرح مريح بولادة موفقة؛ لذلك تكون الكتابة حاجة نفسية بقدر ما تحمله من هدف لمعالجة وضع ما بحسب جنس النص ودواعي كتابته.