(ولا تزر وازرة وزر أخرى)

سماهر عبد الجبّار الخزرجيّ/ ديالى
عدد المشاهدات : 192

كانت الشمس على موعد مع الأفول ولما نصل إلى بيت زميلتنا في الوظيفة التي توفيت والدتها أمس، اقتربنا من بيت تطل على فنائه أشجار كثيفة، وتنبعث من أرجائه روائح ذكية امتزجت برائحة الطبخ، فكانت هذه إمارة على كونه هو البيت المنشود، إضافة إلى عدد الأطفال المجتمعين أمام باحة الدار. ولجنا الدار فاستقبلتنا إحدى النساء، وقادتنا حيث تجلس زميلتنا، وما إن رأتنا حتى غطت في بكاءٍ شديد، كان الموقف مؤثرًا، فلا عزاء لمن فقد أمه، وأي عزاء يفي بذلك؟! مضت دقائق وزميلتنا لا تكف عن سكب الدموع السخينة مهما واسيناها، وفجأة انبرت إحدى الجالسات قائلةً وهي تحسب أنها تواسيها: كفي عن البكاء، أما علمت أن هذه الدموع تكون نارًا وتحرق الميت، وأن الله يعذب الميت بها؟ لم يثر كلامها استغرابي، فقد اعتدت سماعه كثيرًا، ولطالما فندت هذا التصور، لكن من دون جدوى! وعاودت الكرة ثانيةً، فقلت لها: وهل يعذب الله أحدًا بجريرة غيره وقد قال تعالى: (ولا تزر وازرةٌ وزْر أخْرى ) (فاطر:18)، فإنْ كان الباكي هو الفاقد، فما ذنب المتوفى؟! فإن أخذه الله بجريرة غيره فلا يكون عادلًا، وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، ثم إن البكاء لا إشكال فيه، ألم يبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عمه الحمزة، وبكى على ابنه القاسم، وبكى على الحسين (عليه السلام) قبل استشهاده، وكان أول مجلس عزاء يقام للسبط الشهيد؟! أما من الناحية العلمية، فيرى علماء النفس أن البكاء مفيد للصحة للغاية، فهو يساعد على تقليل التوتر، ووسيلة رائعة لتهدئة النفس، وطرح السموم خارج الجسم، حيث يشعر الإنسان بعدها براحة نفسية لا بأس بها. تطلعت إلى النافذة فرأيت الشفق الأحمر يزين السماء، فقلت لزميلتي: هلمي نذهب، فقد تأخر الوقت، ثم انحنيت على زميلتي المفجوعة بأمها وواسيتها قائلةً: لا بأس بالبكاء، أخرجي ما بداخلك من أحزان، شريطة أن لا يصل بك ذلك حد الجزع فيحرم، وأسال الله أن يربط على قلبك، ثم طبعت على جبينها قبلةً وودعتها، بينما احمرت وجنتا تلك المتكلمة خجلًا من قلة معرفتها وادعائها.