القيادة التربوية عند السيدة أم البنين (عليها السلام)
تقولبت المجتمعات على إيكال شؤون الجماعة إلى فردٍ واحد يتحلى بروح القيادة، والتي ترتكز بمجمل معناها على ارتقاء سلم التنامي كراعٍ يحمل رعيته على أكتاف المسؤولية والحزم المعتدل، فصفة القيادة تعني تقدم الفرد على جماعة ما، يمتلك رؤية الوصول وأدوات المسير، وتعددت أصناف القادة على مر العصور، فبزغ القادة الدينيون، والعسكريون، والإداريون، والثقافيون، وغيرهم، واحتل الرجال الرقعة الأوسع في صنوف القيادة؛ لما يملكونه من قوة ونفوذ في سوح المجتمع، تؤهلهم لحيازة لقب القائد. ومما أنتجته الحداثة اليوم صنف آخر من أصناف القيادة، ألا وهي (القيادة التربوية)، التي تنطوي على المنهج السلوكي التربوي، والذي يرفع بدوره من كفاءة الأطفال المتربين على هذا المنهج، وقد أثبتت الدراسات أن تعزيز مفهوم القيادة التربوية عند المربين ينعكس بشكل نافذ على شخصية الأطفال وسلوكهم في حاضرهم ومستقبلهم، وقد ارتبطت نتائج هذه الدراسات بمرحلة الطفولة المبكرة بشكل خاص، ويعزى ظهور هذا المصطلح للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ظنا منهم أنه حصيلة خبراتهم وتجاربهم الطويلة، لكن الجهل بالشيء لا يعني عدم وجوده، فقد انبثقت القيادة الحقة من بيت الرسالة بشكل لدني، وانغرست أصولها فيهم رجالًا ونساءً؛ ليكونوا المثل الأعلى للإنسانية، وقد تجسد هذا المفهوم الواسع في شخصية السيدة أم البنين (عليها السلام)، فأصولها الطيبة تسفر عن نماء شخوصه على القوة والصلابة عقليًا وجسديًا، وقد انغرست هذه القوة في شخصيتها؛ لكنها أحدثت نقطة التحول في الفكرة العامة عن التربية آنذاك، فيمكن أن تعد أول سيدة من غير أهل البيت (عليهم السلام) تعتمد على مبادئ التربية الصحيحة وتقومها بشخصيتها القيادية الفذة، فقد اعتمدت (عليها السلام) بشكل أساسي في تربية أبنائها على رسم الحدود، وتقدير كبار السن، وتوقير السادات، وهي من أقوى المناهج التربوية على صعيد السلوك وتحقيق التوازن النفسي عند الأطفال، وقد كانت أمًا بصفات قيادية، استطاعت تعزيز العقيدة في قلوب صغارها وربطها بالهدف الأسمى في الإسلام، ألا وهو الشهادة في سبيل الله تعالى من أجل الحفاظ على دينه، فربت شخصيات متوازنة في شعورها وأهدافها وخلقها، فقد رسمت هذه السيدة العارفة الموالية، نهجًا تربويًا ساميًا قدم شخصياتٍ تحمل أسس الخير على أكتافها، وأعطت الأمهات وصفة القيادة لخلق جيل يعرف ما يريد وإلى أين يسير، فحري بالمربين اليوم أن يعرفوا أن المفاهيم الحديثة قد سبقتها في القدم بيوت النعم، فهم القادة في كل خير كان وسيكون.