رياض الزهراء العدد 91 منكم وإليكم
يَنَابِيعُ السَّعَادَة
هل تخضع السعادة للصدفة أو للإرادة؟ وهل هي موهبة إلهية تولد مع بعضهم، ويحرم منها آخرون؟ أو أنّ لها عوامل وأسباباً إذا توافرت جاءت السعادة كنتيجة طبيعية لها، وإلا فلا يمكن الحصول عليها بأي شكل من الأشكال. في الحقيقة أن الإجابة على هذه الأسئلة تتوقف على مفهومنا للسعادة، فإذا عدّيناها لذّة مطلقة بلا نهاية، وثروة هائلة بلا حدود، وراحة كاملة بلا تعب، وشباباً دائماً بلا شيخوخة، وحياة هنيئة بلا موت، فإن مثل هذه السعادة ضرب من ضروب الوهم. أمّا إذا عدّيناها راحة نسبية، ولذّة متناسية مع إمكانات هذه الحياة، وعيشاً بالحد الأدنى أو المتوسط من المتطلّبات، فإنّ السعادة ليست ممكنة فقط، وإنما هي متوفرة للجميع، وبإمكانهم الوصول إليها بشرط توفير أسبابها وعواملها فلا يمكن وضع قواعد للسعادة، والتحدّث عمّا يمكن أن يجلب السعادة للإنسان، وعمّا يمكن أن يجلب له الشقاء، لأنّ ما يعدّ سبباً من أسباب السعادة لدى شخص، قد يكون سبباً من أسباب الشقاء لدى آخر، وإن بعضهم يرون الثروة، والغنى، والنجاح، والأمن، والسلام، والجمال، والشباب، والصحة، والنشاط من أسباب السعادة. فهل أنّ واحداً أو أكثر من هذه هي أسباب للسعادة فعلاً؟! إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الروح هي موطن السعادة وليس الجسد، فإنّ السعادة تكون حينئذ شعوراً روحياً وليست أمراً مادياً، صحيح أن هذا الشعور قد يكون وليد شيء مادي، مثل شعورك بالسعادة بسبب الراحة بعد تعب شديد، إلّا أنّ الراحة نفسها ليست سعادة، بحيث يُقال إنك كلّما حصلت على راحة أكثر حصلت على سعادة أكثر، وكلّما نقصت راحتك نقصت سعادتك. فبالنسبة إلى كلّ الأمور السابقة الذكر من الغنى، والثروة، والنجاح، والانتصار.. وغيرها فهي قد تُولّد شعوراً بالسعادة، ولكنها ليست السعادة نفسها، وإلّا لكان كلّ الأغنياء سعداء، بينما نجد أنّ كثيراً منهم يعيشون في أشد حالات الشقاء. ونعود هنا لنسأل: هل السعادة هي الفرح والابتهاج؟ إنّ ذلك غير صحيح؛ لأن كثيراً من الأفراح نابعة من الأنانية، وحبّ الذات، فيما يرضي نفوسنا بفرحنا، أمّا ما يرضي الآخرين فلا دخل له بفرحنا وهكذا، فإنّ الفرح أحياناً لا ضمير له، ولقد كان الطغاة يفرحون حينما يقتلون مخالفيهم، بينما كانت ضمائرهم تؤنبهم، فهل كانوا سعداء؟ إنّ الابتهاج إذا نبع من القلب وكان من أجل القيم، والحق، وارتبط بطمأنينة الضمير، ونقاء الروح، وراحة القلب، فهو من السعادة، أمّا الابتهاج الذي يصدر عن نشوء الملذّات بعيداً عن يقظة الضمائر فهو غريزة حيوانية.