التواضع رفعة

عهود فاهم العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 218

أشار الأستاذ إلى نهاية المحاضرة، وودع الجميع على أمل اللقاء بهم في الأسبوع القادم. زينب: وأخيرًا بدأت الاستراحة، هيا يا فاطمة، فلنأخذ فنجانًا من القهوة. فاطمة: أجل، فكم أنا بحاجة إلى ذلك، فكل صديقاتنا في الاستراحة. زينب: أرجوك يا فاطمة، إلى متى تتعاملين مع هذه الأشكال؟ فإنها لا تليق بنا، بخاصة مع مكانتي الاجتماعية، فشتان بين الطبقتين. فاطمة تطلق تنهيدة: زينب! من تواضع لله رفعه. زينب: آهٍ من هذه الجملة، أسمعها مرارًا وتكرارًا وهي لا تساوي شيئًا في قاموس الكلمات. فاطمة: أخيتي زينب، كيف ذلك؟ فالمعنى دقيق جدًا، لكني سأسهله لك بمثال البذور، فلو نثرنا البذور على الأرض وسقاها المطر من غير أن تلج في الأرض، لتعفنت وماتت، فلا ينفعها ماء ولا شمس، لكنها لو تواضعت ونزلت في التربة لأعطاها الله القوة، وإذا مدت جذورها في الأسفل تواضعًا لله تعالى، رفعها إلى الأعلى فتزهر وتثمر لنا. زينب: لكن أين النفس البشرية وطاقاتها من البذرة الضعيفة؟! فاطمة: أحسنت، فهذا ما كنت أقصده إن الإنسان كلما شعر بالخضوع والضعف والتذلل لله تعالى، زاد قربًا منه، وهذا ما أشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله لبعض أصحابه عندما سأله: (أين الله)، فقال (صلى الله عليه وآله): "عند المنكسرة قلوبهم"(1). زينب: ولكني قريبة من الله وأستشعر وجوده، وأسعى جاهدةً لطاعته تعالى، إلا أني أرى بعضهن لا تليق بمقامي، ولا أفضل الحديث معهن، فالجميع يعرف من أنا وبنت من! فاطمة: كيف حددت قربك من الله تعالى؟! فإن من يستشعر عظمة الخالق، فستتضاءل الدنيا في عينيه فلا تؤثر فيه المناصب والألقاب، وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذه الحقيقة بقوله: "عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم"(2)، فإذا حصل أي تقصير من الفرد، فأنه سيشعر بذنب عظيم داخله، وهذا حال الأولياء. زينب: إذًا كيف أغير نظرتي للدنيا والناس؟ فاطمة: إن للناس نظرتين، فبعضهم يرى الجمال والمناصب والقوة والأموال، فتتزين الدنيا في عينيه فتغره وتعميه، لكن المؤمن يرى عظمة الخالق، فيجد الدنيا آية من آياته سبحانه، فبكل تفاصيلها تحكي عظمة الله تعالى، والدنيا ذاتها تدل على فنائها، فاختاري يا عزيزتي كيف تنظرين إليها، ولا تنسي قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته"(3). .......................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ميزان ص615. (2) بحار الأنوار: ج٦٤، ص٣١٥. (3) نهج البلاغة: ج١، ص١٣١.