طُولُ الأَمَلِ وسُوءُ العَمَل

صادق مهدي حسن/ ناحية الكفل
عدد المشاهدات : 139

أُعَلِّلُ النَّفسَ بالآمالِ أَرْقبها ما أَضيَقَ العَيْشَ لوْلا فُسْحَةُ الأمَلِ يُعَدّ الأمل مِن أهمّ العوامل المحرِّكة لعجلة حياة الإنسان، وهذا ما أشار إليه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقوله: “الأمل رحمة لأمتي، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها، ولا غرس غارسٌ شجراً”(1)، فالإنسان بطبعه مجبول على حبّ الحياة، والأمل هو الذي يدفعه إلى العمل من أجل أن يحصل على متع الحياة ومباهجها العريضة، وهذا بحدِّ ذاته مما ندبت إليه الشريعة المقدّسة، فالله تعالى أباح الجدّ في الدنيا والسعي إلى طلب الرزق في ضمن حدود وضوابط فقهيّة وأخلاقيّة، قال تعالى: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)/ (القصص:77) وهنا حثٌ واضح على الاجتهاد وبناء الدنيا وعمارتها.. والأمل من الركائز المهمّة التي تستند عليها الصحة النفسيّة. فالحياة مليئة بالمنغّصات، والأمل هو المحفِّز لتجاوز كلّ الصعاب.. وقوة الأمل ناتجة من الوثوق بسعة رحمة الله تعالى المواسي لعباده بقوله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)/ (الشرح:5)، ولكن إِذا أفرط الإنسان في آماله وأمانيه وتجاوز الأمل حدَّه المعقول، فإِنّه سيتحول إِلى بابٍ من أوسع أبواب ولوج الشيطان إلى نفس الإنسان الأمارة بالسوء وهو (طُولُ الأمَلِ)، أي الاستغراق في الآمال والتمنّيات والميل إلى البقاء، وتوقُّع طول الحياة والرفاهية النّاتجين عن الجهل، والأُنس باللذات الفانية، وحبّ الدنيا الدنيّة المفضي إلى نسيان الموت الذي يترصّد الإنسان في كلّ منعطف، وفي كلّ لحظة؛ لأنّ طويل الأمل لافتتانه بلذات الدّنيا وتمنّيه لطول البقاء يكون أكثر أوقاته مستغرقاً في ذكرها، فيوجب ذلك غفلة العقل ونسيان الذكر، إذ مَن أحبّ شيئاً كره التفكير فيما كان ضدَّه، ولو أن الإنسان حسب حساب الأجل لاعتدل في أمانيه، واتجه اتجاهاً كلّياً إلى العمل الصادق. وقد ورد التحذير من هذا المرض الأخلاقي (طول الأمل) قرآنياً وروائياً، ففي تفسير قوله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) يذكر المفسرون أنّ هؤلاء (المشركون ومَن سار على نهجهم) يشغلهم طول الأمل عن ذكر الله وطاعته، وسيعلمون بعد ذلك وبال أمرهم، وهذا ما أقرّه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ - اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وطُولُ الأَمَلِ - فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ - وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ -..)(2)، وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “يا بن مسعود، قصّر أملك فإذا أصبحت فقل إني لا أمسي، وإذا أمسيت فقل: إني لا أصبح، واعزم على مفارقة الدنيا”.(3) ويتولّد من طول الأمل غفلة العقل، والتسويف بالتوبة، وضياع حقوق الله تعالى، والتقصير في الواجبات، وقسوة القلب الذي تكون رقته وصفاؤه بذكر الموت والثواب والعقاب وأهوال القيامة.. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “ما أطال أحد الأمل إلا وأساء العمل”.(4) وأهم الخطوات للتخلص من هذا الداء الأخلاقي الوبيل هو تهذيب النفس بتلاوة القرآن لاسيّما الآيات التي تتناول ذكر الموت واليوم الآخر، والنصوص المباركة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ومن الآيات الكريمة في هذا المضمون، (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)/ (الجمعة:8)، ومن الأخبار الواردة كلمة أمير المؤمنين (عليه السلام): “مَن أيقن أنه يفارق الأحباب، ويسكن التراب، ويواجه الحساب، ويستغني عمّا خلّف، ويفتقر إلى ما قدّم، كان حرياً بقصر الأمل وطول العمل”(5) فعلينا موازنة الأمور بعقل وتدبّر بين الأمل والعمل، فعن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)أنه قال: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”..(6) ختاماً فلنتأمل بقلوبنا دعاء إمامنا السجاد (عليه السلام): (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، واكْفِنَا طُولَ الأَمَلِ، وقَصِّرْه عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ...).(7) .............................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص185. (2) نهج البلاغة: ص69. (3) مستدرك الوسائل: ج2، ص108. (4) مصادر نهج البلاغة: ج4، ص33. (5) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص184. (6) مستدرك الوسائل: ج1، ص146. (7) الصحيفة السجادية: ص172.