المعادلة الرجبية

نرجس عبد الأمير العبادي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 151

يحرص البشر في أيامهم المعتادة على استيفاء جوانب المكان والزمان عند الابتداء بمشاريع تحمل رؤيةً ذات أبعاد مختلفة، سواء كانت على صعيد الفرد أم المجتمع، بل حتى على صعيد الجمادات، وقد يذهب بعضهم إلى الاستفهام عن معاني الأعداد ودلالاتها حتى تطمئن نفسه بالإيمان، فالبدايات تقتضي التخطيط بحدي الدقة والنظرة المستقبلية لتستوي على تلة الأمان والاستمرار؛ ليتحقق شرط الإفادة والاستفادة من جميع الجوانب، فقد أودعت صفة الدقة في البشر على أساس القانون الإلهي الذي ما رفع حجر ولا خلق مدر حتى صيرها في نظام دقيق يخضع الزمان والمكان لإحقاق هدفه وأهميته، فكان من أشهر الأدلة على وجود الخالق دليل النظم، الذي يدعو الإنسان إلى لمس دقة النظام الكوني الجاري بإتقان بقدرة الخالق العظيم، فجرى ذلك الاتزان على أديانه السماوية التي كانت مختلفةً في أزمان مختلفة وأماكن مختلفة، لكنها صبت في تدرجٍ آل إلى الوصول إلى اللبنة الأخيرة من بناء السماء، ألا وهي الإسلام، فكان لابد من خاتم الأديان أن يأتي على أعلى مستوى من التخطيط بما يتناسب مع رصانة بقائه، والدولة العادلة التي ستسود تحت ظله، فوضع الله (عز وجل) أساسًا متينًا يقاوم جميع ما من شأنه أن يهز ثباته، فبعد أربعين عامًا على وجود النبي (صلى الله عليه وآله) بين ظهراني قومه، بعث في السابع والعشرين من شهر رجب الأصب من بين كل الأيام والأعوام وإلى آخر الأمم، وسبقه في مبعثه وصيه الذي شق كعبة الرب بقدومه، فلماذا رجب؟ روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل أنه قال: "...ويقول الله تعالى للطائعين:....وجعلت هذا الشهر حبلًا بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصل إلي"(1). إن خطة الوصول إلى الله (عز وجل) التي ضمنها هذا الشهر لا تقتصر على العبادة وإن كانت خطوة ليست بالهينة، بل تشتمل على سر كتبه الله تعالى لمن يقتبسون ناتج المعادلة الرجبية العظيمة التي بانت للطالبين لها، فشهر رجب مثلما جاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام) هو شهر الله جل وعلا، الذي اختصه لنفسه ليكون شهر التأسيس لبناء الإيمان، فيمكن التماس روح هذا الهدف من شخوص الشهر وهما أبوا هذه الأمة وركنا الإسلام، فبعثة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وولادة الإمام المرتضى (عليه السلام) ما هما إلا حدثان لتوجيه العباد إلى نقطة البداية التي لن يصلوا إلى الله تعالى إلا إذا بدؤوا بهما، وقد تواترت الأخبار في فضل عمل آخر يكمل أساس العقيدة التي يجب أن تزرع في نفوس الأمة، ألا وهي (الزيارة الرجبية) التي جاء في مطلعها: "الحمد لله الذي أشهدنا مشهد أوليائه في رجب"(2)، فشهر رجب هو الشهر الذي يقدم العقيدة بأعلى جرعة، فيبدأ ببعثة النبي (صلى الله عليه وآله) تتلوها ولادة الوصي (عليه السلام)، ثم وصال دائم مع الذين تركوا آثارهم في الآثار، وكانت قبورهم في القبور، فهم أبواب الإيمان وأمناء الرحمن. ...................... (1) بحار الأنوار: ج95، ص377. (2) بحار الأنوار: ج99، ص195.