شهر الله (عز وجل)
كل الأيام هي أيام الله، وكل الشهور هي شهور الله، لكن الله تعالى فضل بعضها على بعض، فيطرح السؤال نفسه: لم خص الباري (عز وجل) كل يوم وكل شهر بصفة، وعمل، ودعاء يميزه عن سواه؟ للسؤال أجوبةٌ عديدة، منها حديث الإمام الهادي (عليه السلام): "الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض..."(1)، فكشف الإمام عن أن الأيام مقرونة بهم أهل البيت (عليهم السلام)، حيث جعل الله لكل يوم إمامًا ولكل إمام يومًا يزار فيه، ويستشفع به لديه، بل إن الشهور أيضًا تتمتع بصفة التلازم مع أهل بيت النبوة الذين خلق الله تعالى الدنيا من أجلهم، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الا وان رجب (شهر الله) وشعبان شهري وشهر رمضان شهر أمتي"(2). إن هذه الخصوصيات ملازمة للأيام والشهور بطرق عديدة، ومما لا شك فيه أن الله (عز وجل) أراد للإنسان أن يعيش العبادة في كل لحظة من حياته، وأن يحافظ على علاقته بالله ورسوله وأوليائه في كل ما يعايشه من أحداث، ومن هنا كانت الأيام مزارًا وموئلًا للتوسل بأهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وكانت الشهور محط رحال المؤمنين، يتهجدون في ثناياها، وينشدون رحمة الله ومغفرته ورضوانه في ساعاتها ولياليها؛ وذلك حتى لا تتساوى الأزمنة في حياة الإنسان، فيكون لكل منها مقامه وموقعه في حياته، فلا يكون مغبونًا في أعماله مثل ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "من اعتدل يوماه فهو مغبون"(3)، حيث يمكن أن يفهم من هذا الحديث إضافة إلى معناه الأساسي الذي يحث الإنسان على تطوير نفسه والارتقاء بها، بحيث لا تكون أيامه سواسيةً، يفهم منه أيضًا أن الأيام لا ينبغي أن تتساوى، فذلك يذهب بالإنسان إلى مرحلة الجمود وعدم التفاعل مع نعم الله تعالى، أما إذا كان لكل يوم وكل شهر خصوصية ما، فإن ذلك يدفعه إلى العمل على تلك الخصوصية، والتناغم معها. وروي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "شهر رمضان شهر الله، وشعبان شهر رسول الله، ورجب شهري"(4)، لذلك خص شهر رجب بأمرين: أولهما أنه شهر الله، وثانيهما أنه شهر أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومما لا شك فيه أنه لا تنافر بين الأمرين، بل إن أحدهما يكمل الآخر، فرجب شهر الله بما هو أول أشهر النور، وكان أهل الجاهلية يعظمونه، فلما جاء الإسلام لم يزدد إلا تعظيمًا وتفضيلًا، فقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) بشأنه أنه قال: "رجب نهرٌ في الجنة، أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، من صام يومًا من رجب سقاه الله عز و جل من ذلك النهر"(5). ورجب شهر أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ فيه انبثاق نوره، نور الولاية الذي تمثل في ولادته في الثالث عشر منه، في كعبة الرحمن، أطهر بقعة وأقدس مكان، ويكفي رجب فضلًا أن يكون الزمان المختار لولادة أربعة من أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، الباقر، والهادي، والجواد، وإمام المتقين (عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام)، ويكفينا من هذا الشهر المحرم المفضل أنه حتى لو لم يرد فيه ما ورد من الفضائل ومن الحث على العبادة تكفي لتجعلنا نحيي ديننا ونصوم أيامنا ونقوم ليالينا شكرًا لما خصنا الله به فيه، فالحمد لله على رجب، ما طلعت شمسٌ وما بزغ نورٌ، يقهر ظلمات الضلالة ويزيح عن الحق الحجب. ...................... (1) بحار الأنوار: ج٣٦، ص ٤١٣. (2) فضائل الأشهر الثلاثة - الشيخ الصدوق - الصفحة ٢٤. (3) ميزان الحكمة: ج2، ص1110. (4) وسائل الشيعة: ج10، ص493. (5) تهذيب الأحكام: ج4، ص306.