سفر ومرتقى

آمنة عادل الأسدي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 255

يأتي الليل متشحًا بالسواد، مرصعًا بالنجوم المتلألئة في ليالي الشتاء، يحمل الأماني وأحلام الأطفال، ورغبات الشباب، وطمأنينة الشيوخ إلى الغد؛ ليكون النوم جنة من كل خوف. تغرد الطيور، وهي أول من يفيق مع أشعة الصباح، وتفتح العينان بعد نوم مشبع على صبح مشرق، يسكب الرضا في حنايا أوقاته الخشوع. في ساعات الصباح، وساعات الظهر، والمساء، نقف أمام خالقنا بعبادة وشكر ورضا، نرتل ما نرتله من صلاة، ونعيد ألفاظًا تحمل في أنوارها أسرارًا لا يعرفها سوى الله سبحانه، أسرارًا في الرقم والإعادة لا يعلمها إلا هو والراسخون في العلم المعصومون (عليهم السلام)، قد نفهم منها القليل مثل طفل يتدرب على المضغ في أوقات الفطام. ممتلئة أوقاتي، ومشغولة أنا وغيرمرتبة كأفكاري التي تسعى مع القمر؛ لتكون محاقًا، فهلالًا، فبدرًا، فهلالًا... أطل من نافذتي، أرفع كفي بمواجهة السماء؛ ليسكب الله فيهما من فيوض السعة ما يشاء. في وقت العمل أمسك قلمي؛ ليكون متعبًا بين أصابعي، يبحث عن نجوى متعالية لتكون موضوعًا، فأظفر بما يسعد العيون، وترتاح له الأذهان. إنها الصلاة، معراج المؤمن، إلى أين يا ترى تأخذنا تلك المحبوبة ونحن نتصابى مع أحرفها كخرير الماء الذي يعزف لحن الحياة؟ نخبئ حبنا أنا وهي، أخشى عليها من التهاون والترك، فلا سعادة من دون قبولها، وسعادتها أجمل من كنوز الدنيا. أي راحة تشعرين بها عندما ترمين بثقل ما تحملين على قول: (سبحان الله وبحمده)؟ قفزت ابنتي مارية، وأخذت تستعجلني قائلةً: أريد مصلاةً مثل مصلاتك أصلي عليها، وسجادةً أسجد عليها. دار في خلدي: إنها ما تزال صغيرة! لكني لن أقول لها ذلك، فالله سبحانه وتعالى يتحبب إلى خلقه في مختلف الأوقات والأعمار. فقلت لها: حبيبتي الصغيرة المؤمنة، وهل تعدينني أنك ستتركين حركاتك غير المقبولة على أنغام أناشيد الصغار؟ فوافقت على ذلك، فألبستها لباس الصلاة، ووقفت إلى جانبي، أحسست بقرب الكعبة مني، وأخذت تركع وتسجد معي، أصبحت كبيرة الآن، وتساءلت في قرارة نفسي: هل اكتشفت بنيتي ما اكتشفته مع أمي؟ سفرًا بلا جواز على بساط الصلاة بمعراج إلى الله؟ إنها كلمات كبيرة على فهم هذه الصغيرة التي أصبح لها مصلاها ومسجدها، هل علي أن أقيم لها حفلًا وهي لم تبلغ التاسعة بعد؟ السنوات تمر علينا سريعًا. كم من السهل انقياد الصغار، لكن الأمر صعب عندما يكبرون، كعبتي أصبحت أقرب مني، ماذا عن أمي التي تنتظرني أغلب الأوقات؟ فهي ما تزال تنظر إلي على أني صغيرتها، وأنا أتعلم أن أتقمص دورها بأحرفي، لأجرب أن تكون لي بنت صغيرة في أحلامي، أطير بها في أروقة جنتي.. إنها كلمات، ولكن...