ثقة وإرادة

عهود فاهم العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 118

رن هاتف زينب، وإذا بها ترى رقم صديقتها فاطمة، فأجابت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فاطمة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أبشري زينب، هل قدمت على الامتحان الخارجي لهذه السنة؟ زينب: لا، ولا أريد أن أقدم مرة أخرى، يكفيني عامان من التعب والجهد ومتابعة الدروس، والأصعب هو تنظيم وقتي بين أسرتي ودراستي، لكن ويا للأسف لم أجتز المرحلة الإعدادية، لقد فات القطار مثل ما يقولون. فاطمة: ما الذي أسمعه! أين صاحبة الإرادة القوية والهمة العالية؟ زينب: أرجوك، دعيني أركز على حياتي الزوجية وأطفالي ودراستهم وشؤونهم، يبدو أن الله تعالى لم يكتب لي تحقيق حلمي بإكمال دراستي. فاطمة: صحيح أن الله تعالى يقدر الأقدار؛ لكنه جعل لنا إرادة باختيار الطريق الذي نسلكه، فالزواج اختيار، والدراسة اختيار، بل حتى الدخول في الإسلام هو اختيار. زينب: وإذا انطفأت الإرادة، فما الحل؟ فاطمة: اعلمي أخيتي أن الحل هو في بث الإرادة في روح العبد، فإذا اشتدت الإرادة، سيرت النفس وطوعتها، لكن الكلام في كيفية إعادة الإرادة، فإن إعادتها تكمن في الثقة بالنفس، وهذه الثقة تجعل تقبل الخسارة أسهل. زينب: هل تعتقدين أن العبد إذا تقبل الخسارة، فسوف تتحسن حالته؟ فاطمة: بالتأكيد لا، لكن ستحتاج النفس إلى شحذ الهمة من جديد للعمل، طبعًا هذا من جهة الأعمال الدنيوية، أما من جهة العبودية، فإن الخطب يشتد إذا أراد العبد تحريك إرادته للطاعة عن طريق الثقة بالنفس؛ لأن النفس تميل إلى الشهوات دائمًا، ومن ثم يصعب مخالفتها. زينب: أعذريني أخيتي، فهذا كلام الكتب، والقليل من تتحكم به الإرادة العقلانية وترشده إلى الطاعة ورضا الله تعالى، بخاصة عندما تكون هناك مصالح أو تفاخر، فالنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. فاطمة: سأعطيك مثالًا من الواقع: راجعي قصة الشهيد الحر الرياحي (رضي الله عنه)، إذ كانت كل الظروف والاتجاهات تقوده إلى محاربة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان يحسب ذلك نصرًا عظيمًا، ففيه القوة والشجاعة والتقرب من السلطة، لكن إرادته العقلانية نصبت له محكمة عادلة بينه وبين نفسه، فرجح ميزان الحق كفة الحسين (عليه السلام)، وقال مقولته الشهيرة: (إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ولا أختار على الجنة شيئًا)(1)، والحال نفسه بالنسبة إلى الأمور الدنيوية، فانظري أي كفة ترجح في عقلك، واربطيها بميزان الله تعالى، فهذه الكفة هي الصحيحة. .................... (1) الإرشاد: ج2، ص99.