عقيلة بني هاشمٍ: ملتقى فضائل أهل البيت (عليهم السلام)

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 252

من أعماق قوم قد قال فيهم الله (عز وجل): (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا) (الأحزاب:33) ولدت زهرة يفوح من شمائلها عطر النبوة، ممزوجًا بعبير الإمامة في معقل العصمة، حيث ملتقى مهبط الوحي والهدى في الخامس من جمادى الأولى عام (5هـ)، فحملتها أمها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وجاءت بها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقالت له: سم هذه المولودة؟ فقال (عليه السلام): "ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - وكان في سفر له - ولما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) وسأله الإمام (عليه السلام) عن اسمها، فقال: "ما كنت لأسبق ربي تعالى"، فهبط جبرائيل يقرأ على النبي (صلى الله عليه وآله) السلام من الله الجليل وقال له: سم هذه المولودة (زينب)، فقد اختار الله لها هذا الاسم"(1)، فهذه المولودة الطاهرة لها شأن عظيم، ودور فاعل في حياة هذه الأمة؛ لذا كان التدخل الإلهي في تعيين اسمها الذي سوف يسطره التأريخ بأحرف من نور، فلقد اجتمعت كل الخصال الطيبة في شخصها، وقد دلت سيرتها ومسيرتها على صدق ذلك، فكانت عابدة آل علي (عليه السلام)، فقد أطعمت من زاد النبوة، وسقيت من أخلاق الإمامة حتى كبرت حاملة شخصية أبيها، ولسان جدها، وفي أعماقها كتاب الله قد نسخ، فبان على لسانها يوم وقفت كالطود رافعةً صوتها كأنه الرعد، وصرخت في وجه الطاغوت قائلة: "فكد كيدك واسع سعيك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا"(2)، وهنا برزت عقيلة بني هاشم السيدة زينب (عليها السلام)، ففي الوقت الذي حسب الناس أن الرسالة الإسلامية انتهت عند الطف، تعالت صرخات الحق على لسان عقيلة بني هاشم التي ألقت السماء عليها مرة واحدة بكل حمائل الرسالة، فتحملت مسؤوليتها لتقول للعالمين إنها صوت الحسين (عليه السلام) وصولته، ودمه وديمومته وبصيرته حين ردت على ابن زياد في سؤاله: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ قائلةً: "ما رأيت إلا جميلًا"(3)، فقلبها المترع بالإيمان لا يرى في كل الأحوال إلا جميل صنع الله تعالى، فهو أرسل النور إلى قوم استحبوا الظلام، فرفع نوره وتركهم ضالين، مستمرين في طغيانهم ليثبت عليهم العذاب يوم الحساب، وكانت كلماتها تنزل على يزيد كسوط من النيران التي تلهب عقله، وتسري في جسده رعشة خوف ما شهدها من قبل ذلك اليوم، كيف لا ومن تتكلم أمامه من أفضل النساء بعد أمها وجدتها؟! فتحملت مسؤولية إتمام الرسالة التي حملها الإمام الحسين (عليه السلام)، فأوضحت للعالم عوامل النهضة، ونبهت الغافلين، وفضحت كل الدعايات الأموية المضللة، وأدت دورًا بطوليًا في ميدان الجهاد، وثبتت أمام المحن ثبوت الجبل أمام العواصف، واحتسبت ما أصابها من بلاء في جنب الله طلبًا لمرضاته، وجهادًا في سبيله، وإعلاءً لكلمته، فقد أدت واجبها في ساعة المحنة، فكانت تسلي الثكالى، وتصبر الأطفال، وتهدئ من روع العائلة، فأرهبت الطغاة في صلابتها، وأدهشت العقول برباطة جأشها وبلاغتها، وامتثلت لقوله تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله وكفى بالله حسيبًا) (الأحزاب:39)، مشكلةً صوتًا إعلاميًا للنهضة الحسينية، فإن كانت النهضة الحسينية قد خنقت وأسكتت في ساحة المعركة بزعم الظالمين، فإن المعركة الإعلامية لا يمكن إسكاتها، ومن هنا كانت السيدة زينب (عليها السلام) الأنموذج الفريد الذي وسم على جبين الدهر، وقدوة لكل إنسان، بخاصة المرأة في مجال المطالبة بالحقوق ونصرة المظلوم، والتصدي للظالمين والمفسدين، وتحطيم جدار الخوف من السلطات الحاكمة الجائرة، ومدرسة لإعداد الثوار الأحرار، والشرفاء الذين يملكون العلم والمعرفة للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ................................... (1) زينب الكبرى (عليها السلام): ص 16-17. (2) بحار الأنوار: ج٤٥، ص ١٣٥. (3) اللهوف في قتلى الطفوف: ج1، ص201.