العاشر من أئمة الهدى (عليهم السلام)
أشرق الكون بولادة الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)، واستضاءت قرية (صريا) التي تبعد (3) أميال عن المدينة المنورة بنوره(١)، فما إن وضعته والدته السيدة (سمانة المغربية) على حجرها، حتى ابتهج قلبها من نور طلعته وجمال محياه، وأسرع الإمام الجواد (عليه السلام) ليرى وليده المبارك، الذي بشر بإمامته قبل ولادته، فالهادي (عليه السلام) من أسرة اختارها الله تعالى واصطفاها، وطهرها من الرجس تطهيرًا، فهو حجة الله على خلقه والقدوة العليا التي تنير درب السائرين وطالبي الآخرة، وقد كانت هيبة الإمام الهادي (عليه السلام) تملأ القلوب إكبارًا وإعظامًا، ونور الإمامة يسطع منه منذ حداثة سنه الشريف، وقد استلم مقاليد الإمامة مبكرًا كوالده الجواد (عليه السلام) وهو ابن الثامنة، وفاض على الخلق بعلمه، فكان ينحدر منه السيل ولا يرقى إليه الطير، لكن الحكام العباسيين (لعنهم الله) ضيقوا عليه في بداية الأمر، ثم رفع الحصار عنه، فقصده القريب والبعيد، والمؤالف والمخالف؛ لينهلوا من علمه الفياض، فهو معدن العلم وخازنه، ومنبعه الصافي الذي يروي عطش الظامئين، ولما ساءت الأوضاع السياسية في حقبة المعتصم العباسي (لعنه الله)، حيث اضطر أن ينقل مراكز عساكره إلى (سامراء)، قام بإشخاص الإمام الهادي (عليه السلام) إليها حسدًا على مكانته الرفيعة بين الناس؛ لذلك استقدمه وأسكنه في (خان الصعاليك)، فانزعج أصحاب الإمام من هذا الفعل، لكن الإمام (عليه السلام) أومأ بيده المباركة، وإذا بها روضات باسقات، وأطيار وضياء، وقال (عليه السلام): "حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك"(٢)، لكن الدنيا لإمامنا الهادي (عليه السلام) تنكرت، وأعاصير الحقد اسودت وزمجرت، فالظلمة لا تطيق النور، فقرر المعتز العباسي أن ينهي حياة الإمام بدس السم إليه، فلما تناوله (عليه السلام) لازم فراشه، ونص على إمامة ولده أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، ورحل مولانا الهادي (عليه السلام) إلى بارئه شهيدًا، فماجت سامراء بأهلها، لقد فقدت البشرية إمامها العاشر، والتحقت روحه الطاهرة بآبائه الطاهرين في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ....................... (١) بحار الأنوار: ج5، ص118. (٢) المصدر نفسه: ج50، ص133.