رياض الزهراء العدد 202 هندسة الحياة
العادات الخفية
يجلس أفراد العائلة في غرفة المعيشة ويتبادلون أطراف الحديث، وفي إحدى زوايا الغرفة يلعب الأطفال بحيوية ونشاط، بينما ينزوي أحدهم واضعًا إصبعه في فمه، وعند الانتباه إلى فعله ذلك تنهال عليه صنوف عبارات اللوم وكلمات التأنيب، من بينها: متى تترك هذه العادة السيئة؟ وغير ذلك، ربما أغلبنا شاهد مثل هذا الحدث، أو سمع به من أم مستاءة من سلوك طفلها، ولا تدري ما العمل. ما العادة؟ وكيف تتكون؟ ولماذا هي بتلك القوة بحيث تطول المدة مع الإصرار والاستمرار للتخلص من العادات السلبية تحديدًا؟ لعل أبسط ما يقال عن العادات، إنها سلوك متكرر لعدة مرات حتى يصبح جزءًا من الرتابة اليومية للفرد، بحيث يقوم به بشكل تلقائي بدون أدنى تفكير. وتلك العادات تتضمن الكثير من جوانب الحياة الصحية والاجتماعية، وكذلك الدينية، فمن بداية استيقاظنا في الصباح الباكر وكل ما نمارسه من أمور يومية، وصولًا إلى ممارسات العمل وعلاقاتنا مع المحيط، ومن ثم العودة إلى البيت، وتكرار الأفعال في اليوم التالي، كل ما سبق وأكثر هو من العادات الثابتة لدينا والتي نقوم بها بلا تفكير. إن العادات تتشكل من (3) عناصر، فتكون البداية مع المعرفة النظرية للأمر المطلوب عمله، ومن ثم الرغبة والميل النفسي للقيام به، ومع وجود المهارة لإتقان العمل المرغوب، سواء كانت إيجابية أم سلبية فهي تنبع من حاجة لدى الفرد؛ فالطفل الذي يقوم بمص إصبعه مثلًا، يبعث رسالة إلى من حوله مفادها أنه محتاج إلى الاهتمام والحب والشعور بالأمان، وفي تلك الحالة تكون العادة واضحة للعيان، لكنها تحتاج إلى استجابة للرسالة، بينما هناك موضوع آخر، ألا وهو العادات الخفية، وهي الأخطر والأصعب؛ لأنها تحولت بفعل التكرار والاستمرار لمدة طويلة إلى جزء متأصل في حياة الفرد، وتكمن خطورتها في عدم إدراك سلبياتها إلا عن طريق عامل خارجي، أي أن يتم رصدها وآثارها من قبل الآخرين، وإخبار الشخص بها، وفي الوهلة الأولى ستتم مقابلة تلك الحقيقة بالرفض والإنكار، ومع حسن التعامل، وصفاء النية، يستطيع الراصد أن يوضح أهمية تغيير تلك العادات السلبية لاستمرار الحياة الاجتماعية بصورة جيدة. من الضروري وجود الراصد الأمين المحب للخير؛ ليتلقف أي عادة خفية تحتاج إلى ترميم، كالتعابير المزعجة، أو الكلمات المؤذية، أو ربما ردود الأفعال المتسرعة. فلنبدأ بتحديد العادات الخفية؛ ولنسع إلى تغييرها للوصول إلى تحسين جودة الحياة الاجتماعية.