رياض الزهراء العدد 202 بريد القراء
زفوا لجدتي بشرى الحياة فهي لا تزال على قيد الحياة
لطالما تساءلت عن أسرار الخلود، فلم تكن فكرة الموت ترقى إلى مستوى تفكيري أبدًا، لم أستطع تصور نفسي بمنزلة لوحة ثابتة على الحائط، أو أن يوارى جسدي في القبر، ويستأنس الناس ويضحكون بعد رحيلي، كانت هذه الأفكار تثير في رعبًا لا يوصف، حتى جاءت الحياة الأبدية وسرقت جدتي مني. جدتي، الملاذ الآمن الذي احتضنني وأحبني، لم تكن ابتسامتها مقتصرة على شفتيها، بل كانت عيناها تبتسم أيضًا، إنها الأم الحنون التي علمتني قيمًا عظيمة، أولها معنى الحب الحقيقي الذي يتجسد في تجمع العائلة حول المائدة البسيطة بضحكاتهم الجميلة، لقد تعلمت أن الحب لا يتجسد في الأموال والهدايا، بل في الأولويات والاهتمام، فكم مرة لم تستطع أن تغمض عينيها من القلق علي عندما كان لدي امتحان، وبعد أن توقظني، لا تستطيع أن تنام خوفًا من أن يغلبني النعاس، من يستطيع أن ينسى مثلها عندما يخطفها الزمان؟ وهنا أدركت معنى الخلود، الخلود يعني أن تزرعي قيمًا وأخلاقًا جميلة في قلوب الأطفال الصغار؛ ليستمروا في زرعها في أطفالهم عندما يكبرون. الخلود يعني أن تلقي محاضرة توعوية تبقى خالدة عبر العصور. الخلود يعني أن تسهمي حتى ولو بشكل بسيط في إعمار المساجد، أو شراء الكتب ووضعها في المكتبات. الخلود يحمل العديد من المعاني، لكنها جميعًا تندرج في خدمة الإنسانية، وزرع بذور الجمال لتتفتح وتستمر عبر الأجيال؛ لذا، جدتي لم تمت فعليًا، إذ نجحت في زرع بذور الحب والقيم في قلوب أبنائها وأحفادها، فزفوا إليها بشرى الحياة، فجميلتي وحبيبتي لا تزال على قيد الحياة.