"اغتنمْ...شبابك قبل هرمك"
الأم: فاطمة، يا فاطمة! هيا انهضي، كفاك نومًا، أتقضين حياتك كلها بالنوم، هيا بنيتي استيقظي. فاطمة: نعم يا أمي، حسنًا ها أنا استيقظت. الأم: ما هذا؟ ألم تكفيك ساعات النوم الطويلة حتى ذهبت مباشرة إلى هاتفك؟! بنيتي ارحمي نفسك، وارحمي شبابك. فاطمة: ها أنت قلتها، شبابي، فدعيني أهنأ به قليلًا، فاليوم الذي يذهب لا رجعة له، فدعيني أستمتع بكل لحظة تحت ظلك ورعايتك، فأنا شابة ولي حق التمتع بوقتي. الأم: إذن لماذا نقرأ في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر قوله: "يا أبا ذر، اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"(1)، ولماذا ركز الرسول (صلى الله عليه وآله) على مرحلة الشباب التي تتسم بالصحة والنشاط؟ فاطمة: لأن الشباب هم الأقرب إلى الهداية من غيرهم. الأم: نعم، لماذا؟ فاطمة بتردد: لست أدري، لماذا؟ الأم: لأن مرحلة الشباب هي مرحلة العمل، فهي مرحلة القوة بين الضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فنجد وقت الشباب هو وقت القدرة على الطاعة، واعلمي بنيتي أن الشباب ضيف سريع الرحيل، فإن لم يغتنمه العاقل، فلا تنفك عنه حسرات الندم على فواته، والشاب لم تتلوث فطرته السليمة بعد، فهي صافية بصفاء الطفولة إذا لم تتحكم بها الشهوات. فاطمة: لكن يا أمي أرى الشباب هم أكثر من مشى في طريق اللعب واللهو، حتى ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الشباب شعبة من الجنون"(2)، فنجد الطفل بريئًا تمامًا من أي خطأ، حتى إن صدر منه الخطأ فهو عن سهو، ونجد الصبغة السائدة على الكهول هي التقوى والإيمان. الأم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله هذا يبين لنا معنى الجنون الحقيقي، فقد مر ذات يوم بمجنون، فقال: "ما له"؟ فقيل: إنه مجنون، فقال (صلى الله عليه وآله):"بل هذا رجل مصاب، إنما المجنون عبد أو أمة أبليا شبابهما في غير طاعة الله"(3). فاطمة: إذًا، بماذا تنصحينني يا أمي؟ الأم: تذكري قول نبينا (صلى الله عليه وآله)، واعملي به: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره في ما أفناه، وشبابه في ما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفي ما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت"(4). ................... (1) بحار الأنوار: ج74، ص75. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص442. (3) المصدر نفسه. (4) بحار الأنوار: ج68، ص180.