تحليق متلكئ

كنت في الرابعة من عمري عندما دخلت الفصل في أول يوم لي بالروضة، أرتدي الحذاء الرياضي الثمين الذي اشتراه لي والدي بعد إصرار دام عدة شهور، كان مجموعة من الأطفال يلعبون في كل مكان، لم أكن أعرف أحدًا منهم، بدأت أمي ترخي يدها وتتركني، لكنها ما إن أفلتت يدي حتى تشبثت بتلابيب طقمها النيلي المنقوش بورود بيضاء حول المعصم، كنت أحبه جدا، اقتربت مني المعلمة، لا أدري لماذا لفتت انتباهي آثار حب الشباب في وجهها، فبدت لي حينها غير مرغوبة، في الحقيقة خفت منها كثيرًا، ناولتني أمي حقيبتي الصغيرة وقالت لي إنها سوف تعود لتأخذني بعد انتهاء الدوام، كأن فأسًا هوى على رأسي، بدأت أنضح عرقًا باردًا، وارتعدت فرائصي بقوة، ثم بكيت بصوتٍ عالٍ، لكن أمي لم تعرني اهتمامًا، بل تركتني وذهبت، ليتها ضمتني وودعتني، فربما كان الأمر يبدو أهون علي نوعًا ما، والمعلمة أخذت تلاطفني في البداية، لكن ما إن ذهبت أمي حتى تغيرت وأظهرت وجهًا باردًا لا يبشر بالخير، قضيت يومًا سيئًا، فقد أضعت فردة حذائي، مثلما أنني لم أتوقف عن البكاء طوال ساعات، ولم يهتم لذلك أحد، كنت أشعر بالجوع، وثمة شعور خانق بالوحدة والغربة. مضت الأيام وانقضت السنون، لكن بقيت هذه الذكرى تنخر في مخيلتي، وتعاود الظهور بين الحين والآخر؛ لذا عندما أردت تسجيل ابنتي (سلمى) في الروضة، أخذت وقتي في التحري والتقصي عن أفضل الإجراءات لاجتياز هذه التجربة بسلاسة. فمن أهم الأمور التي يجب الانتباه إليها قبل تسجيل الأبناء في الروضة هي: 1- استشارة من لهم تجارب سابقة في تسجيل أبنائهم عن أفضل الأماكن المعتمدة. 2- رؤية الروضة عن قرب ضروري جدا، وإذا لم تسمح الإدارة بذلك يجب العدول عن التسجيل فيها، وعند الزيارة يجب الانتباه إلى النقاط الآتية: - كيفية تعامل المربيات مع الأولاد، وهل هن لطيفات. - كيفية حلهن لمشاكل الأطفال. - عدد المربيات في الروضة. - لابد من وجود مربية لكل (3) أطفال تحت عمر السنتين، أما بالنسبة إلى الأطفال الأكبر، فيكفي مربية واحدة ومعاونة لكل (10-15) طفلًا. - ما المؤهلات التربوية التي تمتلكها المربية؟ - هل الأجواء مرحة وممتعة في الروضة؟ - ما التدابير الصحية، والإجراءات المتبعة في هذا المجال؟ - هل يتم تعقيم الألعاب؟ - هل المكان من حول الطفل نظيف؟ - هل يغسل الأطفال أيديهم قبل فقرة الطعام؟ - الأرضية يجب أن تكون مفروشة ونظيفة تمامًا. - مساحة المكان يجب أن تكون مناسبة لعدد الأطفال، وكذلك الألعاب يجب أن تكفي الجميع. - هل المربية حاضرة قريبًا من الأطفال عند اللعب، وهل تنتبه إليهم؟ - ما منهج التعليم اليومي؟ فلابد من نظام للأطفال الأكبر من (3) سنوات، يوازن بين النشاطات الحركية الصاخبة والتعليمية الهادئة، وبين التفاعل الجماعي والتعليم الفردي، وبين الأمور الإجبارية والاختيارية، وبين الخروج إلى الساحة والبقاء في الصف، وغير ذلك. - هل مديرة الروضة أو المربية المرشدة حاضرة عند استقبال الأطفال في بداية الدوام وعند انتهائه؟ وهل يسهل التواصل معها أم لا؟ هذه أهم الأمور التي يجب التحري عنها.