آباء شهداء عظماء في نفوس أبنائهم

فاطمة صالح الفتلاوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 349

بينما كان (حسين) ممسكًا بيد والده (علي) في أثناء مسيرهما وهما متجهان إلى صالون الحلاقة القريب من دارهما، تبادر إلى ذهنه سؤال ملح في تلك اللحظة، فنظر إلى والده سائلًا إياه: أبي، هل تحبني حبًا كبيرًا؟ فتبسم الوالد ابتسامة لطيفة، معاتبًا إياه: وهل يعقل أن لا أحبك حبًا كبيرًا؟ لكن القلق والارتياب لم يفارقا قلب (حسين) الصغير، البالغ من العمر (10) سنوات، فأدرك والده مشاعر الخوف والارتياب من سؤاله؛ لأنه يخاف أن يفارقه والده في أية لحظة. لقد كان (علي) والدًا حنونًا، محبًا لأولاده وابنته الوحيدة (زهراء)، وكان مربيًا فاضلًا، غرس في أبنائه حب أهل البيت (عليهم السلام)، وما أوصى به رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) بأن يكون المؤمن قويًا لا يخاف الظلم، ويعمل على تصحيح ما يراه منكرًا، فكان رجلًا متمسكًا بدينه وحبه لآل النبي (صلوات الله عليهم)، وكان يحث (حسينًا) على أن يكون رجلًا قويًا في الحياة، فأوصاه بكلمات كانت هي الأخيرة التي تطرق مسامعه: - ولدي حسين، أريدك أن تكون رجلًا شجاعًا متمسكًا بمبادئك، وأن تعتمد على نفسك، فاليوم تراني ممسكًا بيدك وساندًا ظهرك، وغدًا قد أرحل عنك ولن تجدني بقربك، فما كان من (حسين) إلا أن يكون منصتًا لوالده، حافظًا لما قاله. وبعد وصولهما صالون الحلاقة، جلس (حسين) بالقرب من والده الذي كان ينتظر دوره، وفجأة داهمت عصابة من الدواعش الصالون، مدججين بالسلاح، وقاموا بإطلاق النار بصورة عشوائية، فبدأ (حسين) بالصراخ مستنجدًا بوالده الذي وثب كالأسد يصد هجوم الإرهابيين؛ ليحمي ابنه فجاءته رصاصة طائشة وطرحته أرضًا، فما هي إلا لحظات حتى فقد (حسين) والده وسنده، وبينما كان يحاول الهرب، قام إرهابي بتفجير نفسه بحزام ناسف ليسقط سقف المحل عليهم جميعًا بعد أن أصاب الجميع برصاص رشاشه، وشاءت العناية الإلهية أن ينجو (حسين) من القتل، لكنه كان مثخنًا بالجراحات والرصاصات التي ملأت جسمه الصغير، فجر نفسه نحو المنزل ليقرع الباب وهو ينادي والدته التي أفزعتها أصوات الانفجارات، وهو يقول: أمي، قد نال والدي الشهادة. لم يمت (علي)، فكلماته ما تزال ترن في مسامع ولده الذي شاهد أباه كيف يفارق الحياة وهو يدافع عنه، لم يتنازل عن مبادئه في مقارعة الظلم، ولم يلجأ إلى ركن ليحميه من وابل الرصاص، يقول (حسين) بعد استشهاد والده: كان والدي دائمًا يدعو الله أن ينال الشهادة ليرتفع مع الشهداء والصديقين، فكانت الشهادة منه قاب قوسين أو أدنى. كبر (حسين)، وأصبح رجلًا فتيا، حاملًا عقيدته ومبادئه التي غرسها والده في قلبه وعقله في السنوات العشر الأولى من عمره؛ ليكمل مسيرة والده التي انتهت بنيله الشهادة التي كان يمني النفس بها.