رياض الزهراء العدد 203 بريد القراء
إن اطمأنت
قيمة جوهرية أساسية في هذا الوجود، احتار الناس في تحديدها، فقال عنها الفلاسفة إنها (الأنا)، وقال أفلاطون إنها (الروح)، وقال علماء النفس إنها (الإدراك والضمير). هي النفس التي قد تجتمع فيها كل المفاهيم السابقة، لكن الجميع يبحث عن سلامها واستقرارها وسعادتها، فالنفس تتأثر وتتفاعل بسبب الضغوط المختلفة، ومواطن الضعف، سواء كانت فردية أم اجتماعية، والصحة النفسية حالة من الرفاه تمكن الإنسان من مواجهة الضغوط الحياتية المتعددة والمختلفة، وتساعده على بناء العلاقات السليمة مع المحيطين من أفراد وجماعات. ومن أبرز عوامل اعتلال الصحة النفسية هي العوامل الاقتصادية، كالفقر، والبطالة، أو الظروف الاجتماعية الصعبة، والمشاكل الأسرية، والعنف، أو الجيوسياسية، كالحروب والتشريد القسري، فهذه العوامل تجعل الفرد عرضةً، بل أكثر قابلية لظهور أعراض هذا الاعتلال. ومن أبرز تأثيرات هذه العوامل على الصعيد الشخصي، ضعف الأداء، والرغبة في إيذاء النفس، أما اجتماعيًا، فتميل النفس إلى العزلة، وسوء الظن، وتوقع الشر من أي كان، وتجدر الإشارة إلى أن الأفراد في كل المراحل العمرية من الممكن أن يكونوا عرضةً لتدهور الصحة النفسية، لكن تأثرهم بهذه العوامل يكون بنسب متفاوتة. يعد تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين ضروريًا وفي سلم الأولويات، وذلك عن طريق دعم القائمين على التربية في مرحلة التنشئة؛ نظرًا لأهمية الشخصية السوية التي يوكل إليها بناء المستقبل، وذلك عن طريق تقديم خدمات رعاية نفسية للأطفال في المدارس، أو إعداد فرق صحية مجتمعية، تقدم خدماتها أينما وجدت ذلك ضروريًا، كالمستشفيات، والسجون، أو البيئات المغلقة. وقد أوصى المتخصصون في مجال الصحة النفسية بالعديد من الخطوات لسلامة النفس، منها: ـ التواصل الإيجابي مع الآخرين، وإنشاء علاقات قوية مع المحيطين. - العناية بالنفس عبر تخصيص أوقات كافية للنوم، والراحة، والتسلية. - التفكير الإيجابي، وقبول الذات. - تجنب التفكير بالمستقبل بتشاؤم. - المبادرة إلى نصرة قضية ما، وتعزيز الانتماء إليها. فهذه النفس التي عرفها الإسلام بأنها العقل والأنا والحس الأخلاقي والحس الجمالي، ورد ذكرها في القرآن الكريم (260) مرة، وقد جعل الله تعالى لها أنواعًا ومراتب، لكنه نوع السبل إلى إصلاحها والارتقاء بها، وجعل هذا القرار والفعل بيد الإنسان حتى يغير ما بنفسه، فمحور السلامة ينطلق من الفرد بقرارات تنبع من إرادته، وتتحول إلى سلوك عملي. وهناك خطوات عملية تؤمن للنفس الطمأنينة الكافية، ألا وهي ذكر الله تعالى بشكل دائم، وشكره على نعمه، والمبادرة إلى فعل الخير ومساعدة الآخرين، فهي تشعر الإنسان بقيمة معنوية عالية، ترفع من درجته، وعلى الصعيد الاجتماعي يكون إنسانًا مفيدًا وصالحًا، ثم عليه باكتساب المعرفة والتفقه في الدين، ليكون على بصيرة ووعي بما يقوم به من عمل. وأيا كانت المسميات للصحة النفسية، تبقى تزكية النفس هي التعبير الأدق للوصول إلى نفس مطمئنة، ينتصر فيها العقل والضمير في معركتهما ضد الغرائز والعلل، كالغضب، وحب الظهور، والحسد، والعجب، وغيرها من الصفات الرذيلة، فقد قال تعالى:(قدْ أفْلح منْ زكاها○ وقدْ خاب منْ دساها) (الشمس:9ـ 10).