رياض الزهراء العدد 91 آفاق علمية
تَدوِينُ المُلَاحَظَاتِ باليَدِ هُوَ الحَلُّ الأَمْثَل
بسب التكنولوجيا الحديثة والمعاصرة التي نشاهدها هذه الأيام نجد أنّ بعض الناس من الموظفين أو الطلاب أو رجال الأعمال يستخدمون أجهزة اللابتوب لتدوين الملاحظات الخاصة بهم عند حضور المؤتمرات أو المحاضرات الدراسية أو ما شابه ذلك، لكنّ الأبحاث الجديدة أظهرت أنه إذا كان التعلّم والاستفادة هو الهدف، فإنّ استخدام جهاز اللابتوب ليس فكرة جيّدة على الإطلاق؛ لأنّ استخدامه سيشتّت انتباههم، وتدوين الملاحظات عليه سيؤثر بشكلٍ كبير على قدرتهم على تذكّر المعلومات. وقد أجرى عالما النفس (بام مولر ودانييل أوبنهايمر) أبحاثاً جديدة على عدد من الطلاب فوجدا أنّ الذين يدوّنون كلّ ما يقوله الأستاذ على أجهزة اللابتوب تكون ملاحظاتهم بشكل عفويّ، بينما الطلاب الذين يدوّنون الملاحظات على الورق يستمعون إلى الدّرس ويدوّنون ما هو مهم فقط؛ لأنهم عموماً لا يمكن أن يكتبوا كلّ ما يقوله المحاضر بسرعةٍ كافيةٍ، مما يساعدهم في نهاية المطاف على التعلّم. وقد أجرى هذان العالمان ثلاث دراساتٍ مختلفةٍ لمقارنة طلابٍ دوّنوا الملاحظات على كمبيوتر محمول وآخرين دوّنوها على الورق، وقد شملت الدّراسات 327 طالباً من الطّلاب الجامعيين في جامعة كاليفورنيا وبرينستون. في الدّراسة الأولى طُلب من الطلّاب مشاهدة مؤتمر حواريّ TED - هي اختصار لتكنولوجيا ترفيه وتصميم (Technology Entertainment and Design)، وهي سلسلة من المؤتمرات العالمية - لمدّة 15 دقيقة وتدوين ملاحظات عليه، ثمّ الخضوع لاختبار على ذلك بعد مرور نصف ساعة، حيث كانت بعض أسئلة الاختبار مباشرة عن حقائق شخصية أو خاصّة، بينما كانت الأسئلة الأخرى عن المفاهيم، حيث يُطلب من الطلاب إجراء مقارنة أو تحليل أفكار. المجموعتان من الطلّاب سواءً من مستخدمي الكمبيوتر المحمول أم من الكُتّاب باليد أجابوا بشكلٍ مماثلٍ جداً على الأسئلة الوقائعية، لكنّ إجابات مستخدمي الكمبيوتر المحمول عن المفاهيم كانت سيّئة جداً. كما لاحظ الباحثون أيضاً أنّ مستخدمي الكمبيوتر المحمول استخدموا عبارات وكلمات أكثر، ومن المُرجّح أنّهم قاموا بإنزال الكلام حرفيّاً من شريط الفيديو. ولتفادي مشكلة التّكرار هذه في الدّراسة الثانية، طلب العلماء من الطلاب مستخدمي الكمبيوتر المحمول تدوين الملاحظات بأسلوبهم وكلماتهم الخاصة وليس فقط تدوين ما يقوله المُتحدّث، وحتى في هذه الدّراسة كان مستخدمو الكمبيوتر المحمول مرّة أخرى أكثر عرضة لإنزال الملاحظات من أشرطة الفيديو حرفيّاً، كما أنّهم أجابوا على نحوٍ رديء عن أكثر القضايا المفاهيميّة. وفي الاختبار النهائي طلب الباحثون من الطلاب مشاهدة مؤتمرٍ لمدّة سبع دقائق وتدوين الملاحظات على جهاز كمبيوتر محمول أو باليد، وبعد أسبوعٍ كاملٍ يُمنح الطّلاب عشر دقائق لمراجعة ملاحظاتهم قبل إجراء الاختبار، وقد ثبت أنّ إعطاء الطّلاب وقتًا لمراجعة ملاحظاتهم كان مفيداً، ولكنْ كانت الفائدة محصورة على الطلاب الذين سجّلوا ملاحظاتهم باليد، حيث أجابوا بشكلٍ أفضل بكثيرٍ على كلّ الأسئلة المفاهيميّة والوقائعيّة، بينما هذا الأمر لم يُساعد مستخدمي الكمبيوتر المحمول، بل الغريب أنّ أداءهم في الاختبار كان أسوأ، وهذا يؤكّد ما توصّل إليه الباحثون في الدّراسة السّابقة من كون تدوين الملاحظات باليد يُساعد على التعلّم. فعندما تدوّن الملاحظات بالقلم على الورق، فإنّ هذا الفعل ينطوي على الاستماع النّشط، في محاولةٍ لمعرفة المعلومات الأكثر أهميّة وتحديدها وتدوينها، بينما القيام بهذا الأمر على جهاز كمبيوتر محمول يصبح عملاً آليّاًّ عموماً، وذلك بالاستماع إلى الكلمات المنطوقة وتحويلها إلى كتابةٍ نصيّة. فإذا كنت تريد أن تتعلّم شيئاً من لقاءٍ أو مؤتمر، فمن الأفضل أنْ تقوم بتدوين الملاحظات بالقلم على الورق؛ لأنّ العلم والحسّ السليم واضح جداً هنا.