الوجه الآخر للتكنولوجيا الحديثة
سهلت التكنولوجيا الحديثة أغلب جوانب الحياة المعاصرة، وكلما تقدم بنا الزمن أكثر، أصبحت أكثر راحةً، وتطورًا، وتلبيةً لاحتياجات الناس، ومن أبرز مظاهر التكنولوجيا هو مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، هي قربت البعيد، وسهلت الصعب، وجمعت البشر من مختلف بقاع الأرض، وخلقت بينهم صلات جميلة وأواصر محبة وصداقة، مثلما أنها جعلت عقولهم أكثر انفتاحًا واطلاعًا على ثقافة الآخر، وقضت بشكل جزئي على محدودية التفكير لدى الناس، وزودتهم بالكثير من المعارف والعلوم، وغيرها الكثير من الفوائد التي لا يمكن الغفلة عنها أو التقليل من قيمتها، لكن مع كل هذه الإيجابيات، إلا أن لمواقع التواصل جوانب سلبية قد تكون موازية في ضررها للنفع الذي تقدمه، فوجهها الآخر يخفي الشر والقبح، بخاصة لمن يسيء استخدامها، فقد سهلت ارتكاب الحرام إلى حدٍ ما، بل إنها أحيانًا تشجع على فعل الحرام حتى لمن يحاول تجنبه؛ لذا على من يريد الخوض في عالم الإنترنت أن يكون على دراية بطريقة التعامل معه، ويوظفه للفائدة فقط، وأن يعرف حدوده الشرعية فيلتزم بها، فأسوأ ما يحدث من جراء استخدام مواقع التواصل هذه هو اكتساب المرء للآثام بسبب الآخرين، فنقرة الإعجاب أو التعليق على صفحات تعرض الباطل التي بسببها تصل هذه الصفحات إلى عدد أكبر من الأشخاص، ويكون الفرد بذلك قد روج للباطل وأسهم بانتشاره، أو قد يقوم بعض الأشخاص بإرسال المقاطع المخلة بالحياء إلى غيرهم، فضلًا عن مشاهدتها أو الاستماع إليها، فيكون بذلك قد اكتسب إثمين، إثمه هو وإثم من أهدى إليه؛ لأن الدال على الشر كفاعله، وقد تكون هذه الآثام جارية، والذنوب مضاعفة ما لم تحذف هذه المنشورات والرسائل، أو يتوقف الناس عن مشاهدتها، وليس من الحكمة أبدًا أن يسعد الإنسان غيره بأشياء لا تعود عليه بأي فائدة، بل تعود عليه بالضرر فقط، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "شر الناس من باع آخرته بدنياه، وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره"(1). .................... (1) من لا يحضره الفقيه: ج4، ص 353.