بدر الهواشم
لا يمكن لبضع كلمات أن تصف حجم السعادة التي غمرت قلب فاطمة بنت حزام الكلابية وهي تستقبل مولودها المبارك، وقد وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما طلب من أخيه عقيل بأن يختار له امرأة ليتزوجها، قائلًا: "انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها، فتلد لي غلامًا فارسًا"، فقال له: تزوج أم البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها"(1)، وفي خبر آخر، قال (عليه السلام): "لكي أصيب منها ولدًا يكون شجاعًا وعضدًا، ينصر ولدي الحسين ويواسيه في طف كربلاء"(2)، كل تلك كانت إشارات مستقبلية إلى ما يتحلى به أبو الفضل العباس (عليه السلام) من قوة الإيمان، وطهارة النفس، وشجاعة القلب، ورحابة الصدر، ومكارم الأخلاق، وغيرها من الصفات الحسنة والخصال الحميدة والمآثر الكريمة، وبين فرحة الولادة وطمأنينة الإخبار، طرق سمع أم البنين (عليها السلام) صوت الأذان والإقامة في أذني وليدها معلنًا عن إقامة السنة النبوية بعد تقبيل كفيه الناعمتين، وقد امتزج في ذلك التقبيل بسمة الفرح لتضحيتهما، ودمعة الألم على فقدهما، ولأن لا يغلب الحزن تلك السعادة الغامرة، ناول أمير المؤمنين (عليه السلام) الوليد أمه؛ لتعود إلى ما كانت عليه من الفرح والسرور، وبينما هي تتأمل وجهه بحنان، تمثل لها ذاك القمر المنير الذي سقط في حجرها في عالم الرؤيا؛ إذ لم تجد له تفسيرًا في حينها سوى الآن، وبلقب (قمر بني هاشم) تأكد لها ذلك؛ لأن هذا اللقب لم يكن إلا لأجداده الأطهار من أبيه: عبد مناف (قمر البطحاء)، و(قمر الحرم) عبد الله والد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيا له من وسام شرف منحته بنو هاشم لقرة عينها العباس (عليه السلام) مثلما منحها أمير المؤمنين (عليه السلام) وسام الأمومة بالزواج منها، ولكي لا تصاب هذه الأمومة بأذى الحاسدين، راحت تردد هذه التعويذة: أعيذه بالواحد من عين كل حاسد قائمهم والقاعد مسلمهم والجاحد صادرهم والوارد مولدهم والوالد (3) ......................... (1) عمدة الطالب: ص357. (2) الأنوار العلوية: ص443. (3) شهداء أهل البيت (عليهم السلام) قمر بني هاشم: ص24.