ظل بريء

أشواق فضل الدعمي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 269

بهدوء بعد كل ظهيرة يدفع بقدمه المرتعشة الباب الموارب الذي يصدر صريراً شائخاً وموحشاً، يحمل أكياساً صغيرة بيديه المتهالكتين وأصابعه الراجفة التي اجتاحهما التغضن مبكراً. ما يحمله بالكاد يسد رمق جوع المنتظرين الذين اعتادوا تناول وجبة غداء مكررة بعد الرابعة عصراً دائماً الكل يتأمل نوعاً جديداً غير الطماطم والبطاطا ولكن ما باليد حيلة، فلا أحد يمكنه تشغيل الرجل المسن الذي يجلس على رصيف الانتظار لساعات عاجزاً عن الإتيان بحركة تدل على نشاطه وقوته؛ لذا فهو نادراً ما يجد من يطلبه لعمل بسيط مقابل أجر زهيد. تدور الأكف مسرعةً تتلاقف أرغفة الخبز إلا يداً صغيرةً تتحرك ببطء، فقد كان ينتظر شيئاً آخر لا يفصح عنه ولكن ترقرق الدموع في عينيه يفضحه، فيطأطأ الجد المثقل بالهموم رأسه الأشيب مستذكراً خروج ولده الوحيد ومعيله للتظاهرات. هذا الصباح اختلف عما قبله من تلك الصباحات البائسة، ابتسامات راضية ارتسمت على الوجوه مستبشرة بشيء ما قادم لا محالة. سأل الطفل جدته عن سر الفرح الذي غمرها فجأة، وما هذه الصينية التي مُلئت بالشموع والشوكولاتة وتحرص على عدم لمسها؟ - إنها للغائب، واليوم سنذهب للزيارة، ستُفتح أبواب السماء. قالتها الجدة بنبرة واثقة. بعد انتصاف الليل وتحت القبة الذهبية رفع (منتظر) يديه الصغيرتين وهو يتمتم بكلمات طرقت أسماع الجد: سأنتظرك أيها الغائب كما انتظرتُ الدراجة الهوائية التي وعدني بها جدي بعد خروج والدي الذي لم يعد منه.