رياض الزهراء العدد 203 عبق الإنتظار
عبق الانتظار في طريق جدي
صوت الباب الذي يصرخ من شدة القدم يطرق مسامعي بينما خطوات جدي تسير من خلاله كل عصر كرقراق ماء صافٍ في يوم شديد الحرارة وبيده مقشة سبقها خرطوم ماء جاري، لينظف الشارع المقابل لداره حتى تبدأ رائحة الجدران تفوح وتنظر لكومة التراب باتت وكأنها رخام من شدة النظافة، ثم يضع كرسيه بجانب الباب ويبدأ برد السلام على المارة، وهكذا كان وقت العصر عندنا أحفاده نركض إليه فيستقبلنا طريقه قبله حاملًا رائحة الجدران وكأنها ريحان طازج، وبينما كنتُ مسرعة إلى أحضانه سمعتُ جاره يقول: يا أبا صالح، يوم تختفي رائحة الجدران وتظمأ الأرض التي تقابل دارك نعلم أنك مرضت ويداك لم تسقها فليسقك الله العافية كما تروي عطشها. كان ينتظر المارة يوميا وإن لم يعرفهم ولكنه يشعر بمسؤولية تجاه هذا الشارع، وعليه أن يكون نظيفاً ليليق بالسلام. وذات يوم طرق باب روحه داعي الله فجراً واستجاب جدي لندائه فخرج قبل أن يخلع الظلام عباءته وبيديه خرطوم المياه والمقشة على غير توقيتهما وفاحت الجدران بما تحويه ورُويت الأرض المقابلة لداره، خشية أن يأتي ضيفه المنتظر فيجد الطريق أشعث لا يليق بقدومه، ثم عاد إلى الدار وفتح مصحفه وقرأ ما تيسر له من كتاب الله، وذهب بعدها إلى ضيافة خالقه، مر الوقت ومررتُ بشارعه مرةً أخرى فوجدتُه كومة تراب لم تمسها يد منذ رحيله بل زادتها أقدام القاسية قلوبهم أنقاضاً، حينها أدركتُ لم كان يصلح جدي الطريق يومياً، ويجلس على كرسيه فينتظر نتاج إصلاحه مجسداً قوله بفعله: "إنه حينما تنتظر مصلحاً، أصلح نفسك وطريقك بما يليق باستقباله" كان جدي ينتظر بطريقته.