رمانةُ الجدة

ضمياء حسن العوادي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 196

- سيأتي... هكذا كنتُ أردد في لحظاتي الأخيرة قبل فقداني الوعي لأترك الأطباء يسعون لإعادة عيني من بحرها الأزرق الذي كاد يفقدني البصر، لم أكُ مستعدة لأخوض العملية الجراحية من دون والدي القابع على الساتر يدافع عني، لكنها حبات الرمان التي ألهمتني قصة حكتها لي وأنا أصارع خوفي بعدم رؤية أبي، جاءتْ حينها جدتي تحمل رمانتين كعادتها يوم الجمعة، جلستْ وأعطتني واحدة، نظرت لي مطولاً وقالتْ: اهربي بحزنك إليه. ثم أكملتْ دون اكتراث لاستغرابي: هم أيضاً هربوا إليه بسبب رمانة حين أراد حاكم البحرين قتل الرجال وسبي النساء اجتمع الأشراف بجزع واختاروا ثلاثة منهم، في كل يوم يذهب أحدهم يستغيث به في حيلة وضعها الوالي المعادي لآل بيت النبيﷺ في رمانة كُتب فيها ما يُغضب الله ورسوله وعدها الحاكم حجة على الشيعة، إلا أن يأتوا بدليل عليها خلال ثلاثة أيام، خرج في اليوم الأول أحد العلماء إلى الصحراء، طلع الفجر ولم يحصل على شيء، القلوب بلغت الحناجر واعتلى صمت الخوف، وكان اليوم الثاني أشد رعباً وقلقاً، فخرج الشيخ الدمستاني في الثالث حاسر الرأس حافي القدمين، نادباً الموعود. شدني الحديث وتوقفتْ عيني عن هملها وراحتْ تنصت لجدتي التي توقفتْ لبرهة شاردةً في أشعة الشمس المتسللة تسترق السمع من النافذة، ثم قالتْ: لم يتركهم، فعند بزوغ الفجر نادى الشيخ باسمه، ثم أخبره (أن يذهب ويخبر الحاكم أن لا يكشف سر الرمانة إلا في غرفة الوالي، وسترى في الزاوية قالب الحديد المنقوش فيه ما كُتب على الرمانة، وأعطهم دليلاً آخر أن يفتحوا الرمانة فلا يجدوا فيها غير الرماد والدخان)، ثم عاد إلى غيابه، فنفذ الشيخ ما قاله الإمام (عجل الله فرجه) وقتل الحاكم الوالي وأعلن تشيعه، فاضتْ دموعي حينها، وشعرتُ بطمأنينة. وبعد إفاقتي شعرتُ بخشونة يد أبي الدافئة تمسح على جبهتي.