حقيقة الصيامِ

الشيخ حبيب الكاظمي
عدد المشاهدات : 159

إنّ الإنسان في شهر رمضان المبارك يكون في ضيافة الله (عزّ وجلّ)، وهذه الضيافة لها ظاهر وباطن: فأمّا الظاهر، فالصوم هو الكفّ عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، وترك المحرّمات، وهو تدريب للعبد على عملية الكفّ عن المحرّمات بشكل دائم. وأمّا الباطن، فالصوم له ملكوت، وملكوت الصوم عبارة عن الارتقاء من الكفّ المادّي إلى الكفّ النفسي، وقد رُوي عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنّه قال: "مَن أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس"(1)، فهذه الرواية من الجميل أن يكتبها الفرد ويضعها أمام التلفاز؛ لأنّ الذي يجلس أمام هذا الجهاز حاله حال إنسان يعبد مَن وما يسمع؛ لذا عليه أن يلتفت إلى موقفه بين يدي الله (عزّ وجلّ)، وقد رُوي أنّه مرّ أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل يتكلّم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثم قال: "يا هذا، إنّكَ تملي على حافظيكَ كتابًا إلى ربّكَ، فتكلّم بما يعنيكَ ودَعْ ما لا يعنيكَ"(2)، فكلّ ما يقوله الإنسان محاسب عليه، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق:18). إذن، إنّ لكلّ عبادة ظاهرًا وباطنًا، وظاهر العبادة بمجرّده لا يربّي الإنسان، بل لابدّ من البحث عمّا وراء تلك العبادة، فما الأمر الذي يريدنا ربّ العالمين أن نصل إليه عن طريق الصوم؟ ........................... (1) بحار الأنوار: ج2، ص94. (2) وسائل الشيعة: ج١٢، ص١٩٧.