في شهر رمضان المبارك: مبدأ التضامن الاجتماعي يتجلى في عادات العوائل العراقية
شهر رمضان المبارك شهر فريد في حياة المسلمين حول العالم، حيث تتجلّى فيه الروحانية والتضامن الاجتماعي بشكل خاصّ، وفي العراق تزيّن العادات والتقاليد الرمضانية حياة الناس في مختلف محافظاته، ممّا يجسّد تنوّعًا ثقافيًا واجتماعيًا مميّزًا، فهو ليس مجرّد مرحلة صوم وامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى الغروب، بل إنّه شهر يحمل في طيّاته قيمًا إنسانية وروحانية عظيمة، وفي العراق تزدان الأجواء بجمال هذا الشهر الفضيل، حيث تتوارث الأجيال العادات والتقاليد الرمضانية التي تميّزها. يهدف هذا التقرير إلى استكشاف التنوّع الثقافي والاجتماعي الذي يميّز الشهر الفضيل في عموم محافظات العراق، حيث نسلّط الضوء على مجموعة متنوّعة من العادات والتقاليد التي تنمو وتتطّور عامًا بعد عام، ونسعى أيضًا إلى سبر التأثيرات الثقافية والاجتماعية التي شكّلت هذه العادات عبر العصور، وكيفية تأثير التحوّلات الحديثة على تطوّرها، إلى جانب ذلك، سنستعرض بعض الجوانب الروحانية للشهر الفضيل في العراق، كزيارة المراقد المقدّسة، ومحافل تلاوة القرآن الكريم والذكر، وكيفية تبادل العوائل الطعام مع الجيران والأقارب، عسى أن نرسم صورة شاملة عن شهر رمضان في العراق، وفهم أهمّية العادات والتقاليد الرمضانية في تعزيز الترابط الاجتماعي وتعزيز الروحانية الفردية والجماعية في هذا الشهر المبارك. هناء مطر صوب الله من محافظة بغداد: توزيع الفطور على الجيران في أجواء رمضان المبارك، يبرز قيم التآخي والتضامن بين الجيران في محافظة بغداد، حيث يقوم الجيران بمبادرة جميلة ومؤثرة عبر توزيع الفطور بينهم، وتعكس هذه المبادرة الروح الرمضانية الحميدة والتراحم الاجتماعي الذي يميّز الشهر الكريم، وتأتي هذه المبادرة بوصفها جزءًا من الجهود المبذولة لتعزيز التواصل والتلاحم بين أفراد المجتمع المحلّي، حيث يتبادل الجيران الخير والبركة في هذا الشهر المبارك، ويعكس توزيع الفطور بين الجيران روح الجماعة والتكافل التي تجعل شهر رمضان فرصة للتقرّب أكثر من بعضنا. بشرى رحيم من محافظة القادسية: في شهر رمضان المبارك، تتجسّد أجواء الودّ والتآخي بين الأقارب بشكل خاصّ، حيث تزداد الزيارات بين الأهل والأقارب لتبادل التهاني والأماني في هذا الشهر المبارك، ويتبادل الناس الضيافة والطعام مع ضيوفهم، ويقضون ساعات ممتعة في الحديث عن شؤون الدين والدنيا، مع تبادل الخبرات والتجارب في هذا الشهر الفضيل، إنّ الزيارات في شهر رمضان تمثّل فرصة لتقوية الروابط العائلية وتعزيز الأخوّة والمحبّة بين الأقارب، وتجسيدًا لروح التعاون والتضامن التي تميّز هذا الشهر المبارك. شهلاء كاظم عدنان من صلاح الدين: في العراق تُعدّ مساعدة المحتاجين في شهر رمضان المبارك من القيم والتقاليد العريقة التي تُمارس بشكل واسع، فمن ذكرياتي في مرحلة الطفولة هو قيامنا بتوزيع وجبات الفطور والسلّات الغذائية على الفقراء والمحتاجين، مثلما شهدتُ تنظيم العديد من المؤسّسات والجمعيات الخيرية لحملات جمع التبرّعات وتوزيعها على الأسر المحتاجة، وتُقام مبادرات خاصّة لتوفير الطعام والمساعدات للفقراء والنازحين والأيتام طوال الشهر الكريم، وتعكس هذه الجهود التضامن والتكافل الاجتماعي في المجتمع العراقي، حيث يسعى الناس إلى مساعدة بعضهم، وتخفيف العبء عن الفئات الضعيفة في شهر الصوم والبركة. عذراء ستّار من محافظة كربلاء المقدّسة: تتبادل العائلات العراقية وجبات الفطور بشكل يومي تحت مسمّى (صينية رمضان) التي تصل إلى الجار قبل أهل البيت، وهو أمر تتكفّل به ربّات البيوت، ومحبّب لدى العائلة العراقية. ويقول مهيمن حسين من محافظة كربلاء المقدّسة: في شهر رمضان المبارك تأخذ زيارة المراقد المقدّسة بُعدًا دينيًا وروحانيًا خاصًّا، حيث نقوم بزيارة الإمام الحسين وأخيه قمر العشيرة (عليهما السلام) كلّ يوم خميس، ثم الدعاء والصلاة في تلك البقعة المباركة، وفي بعض الليالي نتوجّه إلى زيارة مولانا عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، إذ تُعدّ هذه الزيارات فرصة للتأمّل في نعمة أهل البيت (عليهم السلام)، إنّ زيارة الأضرحة المقدّسة في شهر رمضان المبارك بحسب اعتقادنا تجلب البركة والرحمة، وتكون فرصة للتوبة والاستغفار، ممّا يزيد من إحساسنا بالقرب من الله تعالى وبتجديد العهد معه، وتشكّل هذه الزيارات فرصةً لتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية، حيث يقوم الأقارب والأصدقاء بالذهاب معًا للزيارة، ممّا يعزّز التواصل بينهم ويجمعهم في جوّ من الخشوع والتأمّل، مثلما أنّها تُعدّ فرصةً للتذكير بأخلاق الإسلام والاهتمام بالآخرين، ومن ثمّ، تعزيز الروابط بين الأجيال وتعميق الوعي الديني والاجتماعي في المجتمع. عليّ قاسم العياشي من النجف الأشرف: منذ نعومة أظفاري اتّخذت القرآن الكريم خليلي، حتى جاء اليوم الذي وجدت نفسي معلّمًا للقرآن في منطقة سكني، وفي شهر ربيع القرآن أتّخذ من المسجد مقرًّا للتلاوة والتدبّر، إذ تُعدّ إقامة المحافل القرآنية من العادات الخاصّة التي يمارسها المسلمون في معظم البلدان الإسلامية، بما في ذلك العراق، فيجتمع الناس في المساجد والمنازل لقراءة القرآن الكريم أو الاستماع إلى تلاوته، ويتبادلون التفسير والتأمّل في معاني الآيات والأحاديث الشريفة المتعلّقة بالشهر الفضيل، وتُنظّم المسابقات القرآنية، ويتمّ توزيع الجوائز لتشجيع الناس على الاجتهاد في قراءة القرآن وفهم مضامينه، وهذه الجلسات تعزّز من الروحانية والتقوى، وتجمع الناس في أجواء إيمانية خاصّة تميّز الشهر الفضيل، مثلما تُقام صلاة الجماعة للفرائض اليومية، وأمّا في ليالي القدر الشريفة، فتُؤدّى فيها الأعمال بصورة جماعية وسط أجواء روحانية، وتُنظّم مآدب لوجبة السحور في هذه الليالي العظيمة، فضلًا عن جلسات القرآن الكريم في المساجد والمنازل، تُنظّم في بعض الأماكن العروض والفعّاليات الثقافية والتعليمية المتعلّقة بالقرآن الكريم، مثل الدورات القرآنية وورش العمل الخاصّة بتلاوة القرآن وحفظه، هذه الفعّاليات توفّر فرصة للمشاركين لتحسين قراءتهم وتلاوتهم للقرآن، وتعزّز من فهمهم لمعانيه، وتطبيقها في حياتهم اليومية. ولاء عبد الحسين من محافظة بابل: كلّ شيء جميل في شهر رمضان في كلّ محافظات العراق، إذ يشهد العراق في جميع محافظاته أجواءً مليئة بالجمال والروحانية، وتتميّز محافظة بابل بروحانية خاصّة في الشهر الفضيل، حيث يجتمع الصائمون لأداء الصلوات والعبادات في المساجد، مثلما تعمّ الفرحة والبهجة في الأسواق والمناطق التجارية، حيث يتبادل الناس التهاني، ويتقاسمون الطعام والفرحة مع بعضهم، إضافة إلى ذلك، تُقام في المحافظة فعّاليات ثقافية وترفيهية متنوّعة طوال الشهر الفضيل، تشمل المسابقات الثقافية والمحاضرات الدينية، ممّا يُضفي على هذا الشهر الكريم طابعًا خاصًّا وجميلًا يجمع بين العبادة والترفيه والتواصل الاجتماعي. آمنة كمال من البصرة: من العادات التي استمرّت وتطوّرت مع مرور الزمن هو تنظيم محافل تلاوة القرآن الكريم بعد الفطور أو قبل السحور، وعادات إرسال الفطور إلى الجيران، حيث يتبادل الناس الطعام ويشعرون بالتضامن والتكافل، وتشكّل هذه المبادرات فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتعزيز الروح المعنوية. تتنوّع العادات والتقاليد الرمضانية في عموم محافظات العراق، وتتميّز كلّ منطقة بمجموعة من العادات التي تمارسها العوائل طوال الشهر الفضيل، تاريخيًا، كانت بعض الطقوس تختلف باختلاف الزمن، وقد شهدت بعض التغييرات مع التطوّرات الاجتماعية والتكنولوجية، فعلى سبيل المثال، كانت العوائل في الماضي تجتمع بعد الإفطار في البيوت للحديث والتواصل، لكن مع التطوّرات الحديثة، أصبحت الاتصالات الهاتفية أو الرسائل النصّية أكثر شيوعًا في بعض الأحيان. وتعكس زيارات المراقد المقدّسة وزيارة الأقارب والأصدقاء بعض القيم والتقاليد العريقة التي تمارس في شهر رمضان المبارك، حيث تكون هذه الزيارات فرصة للتواصل وتبادل الخبرات والتجارب في الشهر الفضيل، مثلما أنّ زيارة الأضرحة المقدّسة تعدّ فرصة للتوبة والاستغفار وتجديد العهد مع الله تعالى. بشكل عام، تعكس هذه العادات والتقاليد الروح الرمضانية الحميدة والتراحم الاجتماعي في المجتمع العراقي، حيث يسعى الناس إلى مساعدة بعضهم، وتخفيف العبء عن الفئات الضعيفة.