شهر رمضان المبارك وبناء الروح

ولاء عطشان الموسوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 217

أوقات استثنائية يعيشها المسلمون في أرجاء العالم، أجواء مختلفة تحفها البركات والرحمة الإلهية، أيام تكثر فيها الخيرات وطمأنينة النفوس، فذكر الله سبحانه فيها يفيض على الذاكرين بالخير والبركة والسكينة والطمأنينة، فيعيشون هذا الشعور المليء بالدفء والرحمة والروحانية حيثما كانوا. تحدثت سليمة مطر الحمدانية من سلطنة عمان عن أجواء شهر رمضان لديهم: في سلطنة عمان يحتفل المسلمون بقدوم شهر رمضان المبارك بكل روحانية، حيث يبدأ الاستعداد لاستقباله منذ شهر شعبان، وتشتعل مشاعر الشوق والفرح للقيام بالعبادات والأعمال الخيرية، فيقوم الناس بتجهيز مكان للعبادة في منازلهم، وتبادل الطعام والحلوى مع الجيران، ويشتهرون بإحياء التقاليد الشعبية مثل مراسم الـ(قرنقشوه) التي تجمع الأطفال وتدخل البهجة إلى قلوبهم، ويبرز دور المرأة العمانية في تنظيم المناسبات، وتعليم الأطفال قيم الصيام والتسامح، مما يجعل الشهر الفضيل فرصةً لتعزيز الروابط الاجتماعية والأسرية في المجتمع العماني، إضافة إلى ذلك، يتسم الشهر الفضيل في عمان بتنظيم محاضرات دينية وحلقات ذكر في المساجد، وتنظيم مسابقات دينية، وتحفيظ القرآن الكريم للصغار والكبار، مما يعزز الوعي الديني والروحاني لدى المجتمع، مثلما يحرص الناس على أداء صلاة الليل والتهجد، وتقديم الصدقات والتبرعات للفقراء والمحتاجين، مما يعكس روح العطاء والتسامح التي تتسم بها عادات المجتمع العماني وتقاليده في شهر رمضان المبارك. وعن الأجواء الرمضانية في القطيف تقول وفاء أحمد الطويل/ شاعرة ومعلمة: إن الأجواء الرمضانية في منطقة القطيف لها نكهة خاصة ومميزة جدًا، ففرص التواصل العائلي والاجتماعي والمشاركة في البرامج الرمضانية الدينية والثقافية تكون في أوجها، فالشهر الفضيل ربيع التواصل مع الله تعالى، ومع الأهل والأصدقاء، وتستعد المنطقة لاستقبال الشهر الفضيل قبل مدة من حلوله، حيث تبدأ برامج التطهير والتزكية الروحية التي يتفاعل معها الموالون، وما أن يعلن عن رؤية الهلال المبارك، حتى تبدأ البرامج الاحتفالية، وتعلو أصوات المآذن في المساجد والحسينيات بقراءة القرآن الكريم والأدعية الرمضانية المباركة، كدعاء (الافتتاح)، ويستمر ذلك حتى نهاية الشهر الفضيل، ويتفاعل المجتمع القطيفي بجميع أطيافه: الغني والفقير، معربين عن تضامنهم وتماسكهم مع بعضهم في شهر يدعو إلى الرحمة والتضامن، فتوزع الهدايا الرمضانية، وتعد السلات الغذائية، مثلما تقوم الجمعيات الخيرية في المنطقة بمساعدة العوائل المحتاجة، وتفعيل مشروع (إفطار صائم)، وتتألق ليالي هـذا الشهر بالإحياء، بخاصة ليلة النصف منه، حيث ذكرى مولد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وانطلاق ما يعرف بالـ(الناصفة) أو الـ(قرقيعان)، فتقام الاحتفالات لقراءة حادثة الميلاد المبارك، وتنظم فعاليات شعبية بهيجة، ثم تأتي ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وتقام مجالس العزاء لذلك، ثم إحياء ليالي القدر العظيمة، وفي نهاية الشهر المبارك تبدأ المهرجانات الخاصة التي تشمل: الأمسيات القرآنية والأدبية، والمسابقات الثقافية والمحاضرات الصحية، ووضع الحناء، والتصوير استعدادًا لاستقبال العيد السعيد. وعن أجواء الشهر الفضيل في لبنان تقول ثائرة جابر: نستقبل الشهر الكريم بالزينة التي تدخل البهجة والفرحة على قلوب المسلمين؛ لأن الشهر الكريم ضيف عزيز ويجب الاحتفاء والاهتمام بقدومه، فنضع الفوانيس الرمضانية والأضواء، واللافتات التي ترحب بالشهر الكريم، ويقوم علماء الدين بتنظيم برامج دينية عبادية ثقافية، ومسابقات متنوعة، ويترافق ذلك مع برامج دعوية واسعة في أغلب المساجد التي تقدم أيضًا دروسًا في الفقه، والسيرة، والعقيدة، فضلًا عن قراءة الأدعية الخاصة بشهر رمضان المبارك كدعاء (الافتتاح)، وتجتمع العائلة على مائدة الإفطار، وتتبادل العوائل الأطباق مع جيرانها في بعض المناطق، ويتم أيضًا دعوة الأصدقاء إلى المنازل على مائدة الإفطار، إضافة إلى جمع التبرعات من بداية الشهر الكريم أو قبله لمساعدة العائلات الفقيرة المتعففة، وهناك جمعيات خيرية أيضًا، ترسل الإفطار إلى العائلات الفقيرة بشكل يومي. شهر رمضان شهر الخير والبركة، يجمع شمل العائلات على الرغم من الظروف الصعبة وغلاء المعيشة، لكنه له رونقه الخاص وبركاته الكثيرة، حتى نجد الطعام متوافر بكثرة في كل بيت، على عكس باقي الشهور. أما عن أجواء شهر رمضان في الكويت، فيبين المرشد الأسري حسين أكبر أنه يتميز بطابعه العام بالزيارات العائلية، إذ حتى الأسر قليلة التزاور، يكثر تزاورهم في شهر رمضان المبارك، وتبدأ المجالس الحسينية منذ بداية الشهر الفضيل؛ لتستمر إلى أن تبلغ ذروتها في ليالي القدر العظيمة، إضافةً إلى أن النشاط الرياضي يكون ملحوظًا في هذا الشهر، حيث تقام البطولات الشبابية، منها كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في الكويت، وبعض المساجد تنظم مسابقات ثقافية، فضلًا عن النشاط القرآني الذي يزداد في أيام الشهر، ويتضمن التفسير وأحكام التجويد. ومن البحرين تقول زهراء حبيب عبد الرسول: في بلدنا تختلف أجواء الشهر الفضيل عن سائر الشهور، فهو شهر القرآن بامتياز، وتقام المحافل والفعاليات والبرامج القرآنية باستمرار، كأنها حلقة دوارة في كل البلد، وكل القرى تقام فيها برامج ثقافية مكثفة في الثلثين الأولين من الشهر، أما الثلث الأخير منه، فتتحول برامجه إلى إحياء شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وليالي القدر، التي تأخذ حيزًا واسعًا في الحضور والمشاركة، العادات والتقاليد الرمضانية بركة تحل على الجميع، فالجار لا ينسى جاره ويذكره بموائد الإفطار، حتى أن بعض العوائل لا تحتاج إلى تجهيز إفطارها لما يصلها من الجيران، وعند انقضاء الشهر الفضيل بعد خوض هذه التجربة الوجدانية الراقية، يشعر الإنسان أن شيئًا من وجوده قد استؤصل؛ لأنه سيفارق شعورًا مميزًا جدًا، فيصاحبه الإحساس بالوحشة في آخر الأيام لاقتراب موعد الفراق. يهتم الناس بتزكية الروح في شهر رمضان المبارك، إذ يسارعون إلى الخيرات، وذلك يدل على قدرة الإنسان على التغيير وتزكية النفس عند إرادة ذلك، وعسى أن يدوم الحال هذه وتنتقل إلى بقية الشهور.