عباس والألف دينار

فاطمة صالح الفتلاويّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 61

كعادته توجه (عباس) من مدينة الناصرية إلى وحدته في الموصل الحدباء مع رفاقه، ممن التحقوا بالحشد ولبوا نداء المرجعية العليا في الدفاع الكفائي لمحاربة عناصر (داعش) الإرهابية، كان يشعر بغبطة كبيرة وهو يتجه إلى ساحات القتال في أيام الشهر الفضيل، متمنيًا نيل الشهادة وهو صائم؛ ليسجل اسمه في سجل السعداء. ركب السيارة ويده على جيبه، حريصًا على ما يملك من نقود، وهو يعدها في ذهنه فهي تكفيه لتوصله إلى وحدته العسكرية، ويحصل على وجبة إفطار بسيطة في أثناء الطريق. وبالفعل سار بهم الطريق هو ورفاقه حتى أسدل الليل سدوله، فترجلوا وتناولوا إفطارًا بسيطًا ودفع ثمن طعامه، وشكر الله تعالى على بقاء (1,000) دينار يتيم في محفظته. وما إن وصلوا إلى الوحدة العسكرية حتى اتجهوا إلى ساحة القتال لمواجهة هجوم مباغت من قبل عصابات (داعش)، واستشهد عدد من المقاتلين الشجعان، وكان حصاد تضحياتهم وقف الزحف الإرهابي عن بيوت أهل الموصل، وحماية الأطفال والنساء والشيوخ. وفي صباح اليوم الثاني، اتجه (عباس) مرة ثانية لخوض ملحمة جديدة من ملاحم النصر، ولم يكن يشعر بالظمأ وهو صائم على الرغم من الحر الشديد والقتال لساعات متواصلة مع الإرهابيين، حتى جاءت لحظة النصر بالنسبة إليه عندما اخترقت رصاصة قلبه ليسقط شهيدًا، صابرًا، محتسبًا، فتسابق أصحابه لحمله، ونقل جثمانه إلى وحدتهم، وبينما احتضن (باسم) صديقه (عباس) وهو يبكي بحرقة، قام بتفقد مستمسكاته الشخصية، ولاحظ أن الرصاصة قد اخترقت العملة الوحيدة التي كان يحتفظ بها (عباس) في جيبه، وكان في الساعات الأخيرة يخرجها، ويقول: هذه الـ(1,000) دينار رفيقه الأخير في معارك النصر، فعلى الرغم من ظروفه المادية الصعبة، وشظف العيش، إلا أنها لم تقف عائقًا أمامه ليسجل اسمه في سجل الشهداء.