تصدقي في شهر الرحمة فإنها مضاعفةٌ
قال الله تعالى: (من ذا الذي يقْرض الله قرْضًا حسنًا فيضاعفه له أضْعافًا كثيرةً والله يقْبض ويبْسط وإليْه ترْجعون) (البقرة:245)، إذًا كيف نقرض الله تعالى؟ وإذا كان يضاعف لنا ما نقرضه لجلال وجهه الكريم، فلم لا نقرضه؟ للغفلة، غفلة الدنيا التي حجبت أغلبنا عن الصدقة، ووجوب مساعدة المحتاجين، فالإسلام قائم على النظام الاقتصادي المختلط الذي لا يمنع الإنسان من التملك، ولا يحرمه من التمتع بممتلكاته الخاصة، لكنه نهى عن تكدس الأموال عند شخص واحد ما دام هناك محتاج، وقد قال تعالى: (والذين يكْنزون الذهب والْفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرْهم بعذابٍ أليمٍ)(التوبة:34)، فبناء الإسلام قائم على إيتاء الزكاة بعد الإقرار بوحدانية الله سبحانه ونبوة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وبعد إقامة الصلاة مباشرةً، وقد شرع ديننا الحنيف أسس التعاون والتراحم المتمثلة بالزكاة، والخمس، والتصدق، والإنفاق في سبيل الله بمختلف أشكاله، وقد عجزت الدول الحديثة من الوصول إلى ما أسس له الإسلام من بناء المجتمعات المتكافلة على الرغم مما وصلت إليه من التطور والحداثة في عصر التكنولوجيا والمعلومات، ومحاولات ابتداع أنظمة اقتصادية معينة، كالنظام الاشتراكي، لكنها لم تستطع، ونظام التكافل الاقتصادي والتعاون نجده في القرآن والسنة الشريفة، كقوله تعالى: (الذين ينفقون أمْوالهم بالليْل والنهار سرا وعلانيةً فلهمْ أجْرهمْ عند ربهمْ ولا خوْفٌ عليْهمْ ولا همْ يحْزنون )(البقرة:274)، وقوله تعالى: (إنما الْمؤْمنون إخْوةٌ) (الحجرات:10)، وجاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): "ما آمن بي من نام شبعان وجاره جائع"(1)، فقلة الوعي بما يؤدي إليه عدم الالتزام بهذه المضامين العالية يترتب عليه آثار جمة، لعل أبرزها تفشي الجوع والفقر، وأقل ما يخلفانه هو مجتمع خاوٍ غير متراص وغير مترابط، فضلًا عن الآثار الخطيرة الأخرى؛ إذ بينت الإحصاءات القانونية الخاصة بمجال مكافحة الفساد، أن الفقر من أبرز أسباب الفساد نتيجةً لما يشعر به الفقير من تهميش، وحرمان من أبسط الحقوق، ومن ثم الحقد والكراهية تجاه المجتمع، ولا يصدر ذلك إلا من أصحاب النفوس الضعيفة، ممن تسول له نفسه السرقة، والقتل، والكثير من الجرائم بغية الحصول على المال، فالفقر والغنى حالة اختبار لملكات الإنسان، والغنى الحقيقي هو غنى النفس، مثلما قال تعالى: (يحْسبهم الْجاهل أغْنياء من التعفف) (البقرة:274)، ومن يتخلص من شح نفسه، فقد فاز وظفر في الدنيا والآخرة لقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أمْوالهمْ في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتتْ سبْع سنابل في كل سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمن يشاء والله واسعٌ عليمٌ) (البقرة:261)، إذن فلنسارع إلى نيل رحمة الله تعالى قبل أن يأتي يوم الحسرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولنتصدق مما أعطانا الله من فضله، ولنتبرع بالمال والنقد وبكل ما يقربنا إلى ربنا الرحمن الرحيم، بخاصة في شهر الطاعة، شهر الرحمة، شهر رمضان الكريم الذي يعنى بالفقراء، ولنقم بدفع الصدقات لما لها من فوائد كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولنجعل الصدقة من أولويات خطوات الحياة اليومية عبر إدراج نصيب الفقراء في ميزانية مصروفنا الشهري، ولا ننس أن الصدقة من مال الله سبحانه، وله: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) (التوبة:104)، ولنتمعن في أحاديث النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)، فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: "خذوا بأيدي الفقراء، فإن لهم دولةً يوم القيامة"(2)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن الله ما اعتذر إلى ملك مقرب، ولا إلى نبي مرسل إلا إلى فقراء شيعتنا، قيل له: وكيف يعتذر إليهم؟ قال (عليه السلام): ينادي منادٍ: أين فقراء المؤمنين؟ فيقوم عنق من الناس، فيتجلى لهم الرب (عز وجل)، فيقول: وعزتي وجلالي وعلوي وآلائي وارتفاع مكاني ما حبست عنكم شهواتكم في دار الدنيا هوانًا بكم علي، ولكن ذخرته لكم لهذا اليوم - أما ترى قوله: ما حبست عنكم شهواتكم في دار الدنيا، اعتذارًا - قوموا اليوم فتصفحوا وجوه خلائقي، فمن وجدتم له عليكم منة بشربةٍ من ماء، فكافوه عني بالجنة" (3)، ولنتذكر أننا جميعًا فقراء إلى الله تعالى، والله هو الغني الحميد. ...................................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص٤٨٨. (2) المصدر نفسه: ج3، ص٢٤٤٥. (3) بحار الأنوار: ج٦٩، ص٥٠.