رياض الزهراء العدد 204 ألم الجراح
حزنٌ يحمله السحاب
عبر امتدادات الزمن، هناك في مدينتي نبضات تنقلني من الفناء إلى البقاء.. وهناك نور سرمدي وإن كان مضمخًا بالدم ودمعة الحزن، لكنه يمزق ظلمات النفوس.. ومن يطل على شرفاتها المزهوة بالمجد، يرى لوحات عشق رتلت آيات الولاء.. يضع التاريخ عليها رتوشه ولمساته الأخيرة بريشة الحزن تارة، والفخر تارة أخرى.. كانت الرسالة الإلهية شلالًا معطاء، ينساب قطرةً، قطرةً.. كأنها دمعة رقراقة على مرايا قبة الشموخ الذهبية.. هي دموع الألم التي ضاقت بها عين السماء، فهطلت لتحملها ثرى سامراء.. فلطالما حملت ديار الحبيب بين ذراتها هما.. وتناثرت على رحابها صفحات من الآهات، تروي بعضًا من قصص أحزانها التي حاصرتها حتى آخر رمق فيها.. تبكي غربةً سرقت أفراحها، وأرقت لياليها.. تغالب قهرًا سرمديًا، وتكتم ضيقًا لا يطاق، ووجعًا إلى الآن لم يغبْ.. هنا ظهر يوم من أيام آلامها، وعلق ساعاته على جيد تاريخ أوجاعها.. كان فيه بيت النبوة في عزاء، قد اختنقت جدرانه بوحشة الفراق.. كل شيء يحتضر، ويشكو الألم والوجع مع الأنفاس الأخيرة لأم الزهراء (عليها السلام)، وقد جالت نظراتها الحانية بين أحبتها.. فنظرة لتجلو الهم والشجن عن قلب حبيب قلبها نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) مثلما كانت دائمًا.. ونظرة إلى عين ابنتها الزهراء (عليها السلام) لترتوي من معين كوثرها بنظرة الوداع، وقلبها يذوب من اللوعة والوجد حتى حان الموعد مع القدر، وأسلمت الروح إلى بارئها.. فألقى رحيلها المفجع بظلال الحزن والحسرات على قلب حبيب الله محمد (صلى الله عليه وآله).. تواسيه دمعات منسكبة فوق جرحه المكنون.. عادت فاطمة (عليها السلام) تسكبها على وجنتيه دمعةً، دمعةً.. بعثتها من عالم اليتم لتضمد جرح فؤاد أبيها الغائر، فيتقوى.. ليبقى ألم فقد منبع كوثر النبوة الصافي جرحًا نديا تحتضنه سماء مدينتي.. فتناجي فجرها بانتحاب.. وتتألم من حزن هطل من السحاب.. حملته أعاصير الخلود من ذاكرة الزمن؛ ليشع بريقه في ملاحم الوفاء في مواسم العبادة.. وتصافح لطائف أنفاسها القدسية أرواحًا قيدتها الذنوب.. يزاحم ذكرها نجم الفضاء.. ليبقى اسم خديجة الكبرى صوت ولاء ما دارت رحى الزمان.. يقرأ سورة الصبر على يقين القلوب الصادقة..