رياض الزهراء العدد 204 طفلك مرآتك
عطاء الأمهات في الشهْر الفضيل
السرد التقليدي لأدوار الأم في المنزل وأن عليها مهام متعددة، لطالما أثار النقاش بشأنه: هل عملها من الواجبات، أم من المستحبات، أم من المباحات؟ يأتي السؤال عند كل مناسبة، منها شهر رمضان المبارك بالتوجه إلى الأم بشأن هذه المهام والتوجيهات المؤشكل حولها، لكنها، أي الأم، تقوم بها على أي حال بكل حب، وهي ترمي كل هذا الجدل وراءها، فلا ضير من كل الخطابات والكلمات التي تقال، فبيتها وما يحويه من أفراد، في سعادة وهناء وأمان، وهذا أقصى ما تطلبه لنفسها، أجل لنفسها؛ لأن قواعد الأمومة التي وضعتها الأمهات لأنفسهن منذ فجر التاريخ، تقتضي أن تطلب لأسرتها، وتنسى نفسها، لكن هل يفترض أن يبقى الأمر وفق هذه الصيرورة؟ فهل يفترض أن تلقى كل الأدوار المتعلقة بالبيت على كاهلها؟ وكيف يمكن لها أن تدير شؤون البيت، تحديدًا في أزمنة الاستحقاقات الكبيرة، كأيام شهر رمضان المبارك، وهو محطة عظيمة الشأن تتعدى مسألتي الطعام والشراب وإن تمحور الكثير من الناس حولهما، لترتقي الأم نحو الإصلاح الفردي والجماعي، حيث تشكل الأسرة النواة المركزية للجماعة؟ والإشكالية في هذا المضمار ترتكز على التعمق في أدوار الأم في الشهر الفضيل وفق بعدين: الإسلامي والحداثوي، وايجاد التوضيح لهذه الأدوار الذي يراعي قيم الإسلام المحمدي الأصيل بالنص الحديث ولغة العصر الاجتماعية والثقافية، ويستجيب لمتطلبات المتغيرات التي طرأت على الصعد كافة. سنحاول الإجابة عن الإشكالية عبر تبنيد محاور الإجابة وفق محورين أساسيين، لكن لابد من الإشارة أولًا إلى أن هذه المملكة ـ البيت ـ هي مسؤولية الجميع، بدءًا من الأم، فالأب، فالأبناء، وإن اختلفت نسب تحمل كل جهة لمقدار من مقاديرها، ولأنها قطب الرحى، وجب عليها توزيع المسؤوليات وفق مبدأ القدرة والاختلاف بين الحيثيات، فالأب وإن كان رب البيت، فالزوجة هي التي ترسم له المسؤوليات المترتبة عليه في هذه المؤسسة المقدسة، مقدمةً إياها بقالب من التقدير والاحترام، وكثير من الحب. كيف يمكن أن تقوم الأم بهذا العبء؟ لابد من الإشارة إلى أن البيت أهم مؤسسة في الحياة، وأن إدارة الأعمال فيه تتطلب الالتزام بمنهج ناجح كمنهج (فايول ـ Fayol) الذي يبدأ بالتخطيط، ثم التنظيم، ثم التوجيه، ثم الرقابة، وقد يكون الأمر مستهجنًا لدى الكثيرين، لكن إن أخذ المديرون والأفراد في هذه المؤسسة بهذه الخطوات، لاستطاعوا أن يسيروا بالمؤسسة بكل أمان؛ لتصل إلى مبتغاها وغاياتها. 1ـ التخطيط: تبدأ عملية إدارة البيت بوضع الأهداف، ومن ثم السياسات، والقواعد، وتحديد الموارد المطلوبة، والجدولة الزمنية للإجراءات التفصيلية، والأهداف الموضوعة ستكون أهدافًا ذات بعد معنوي، وأخرى ذات بعد مادي، والأهداف المعنوية هي الأساس، وليس من السليم أن تستغرق الأسرة في الأمور المادية، لكنْ لأن الشهر الفضيل هو محطة معنوية في الأساس؛ لذا فالأهداف التي يجب أن توضع لابد من أن تتمحور بشأن القرآن الكريم، والعبادة، والتعلم، والتفقه في الدين، وصلة الرحم، وخدمة الناس، أما الأهداف المادية، فتتمحور بشأن وجبات الإفطار والسحور نوعًا وكمًا، وإبقاء البيت في حالة من الاستقرار الفيزيائي والجمالي. 2ـ التنظيم: وظيفة التنظيم هو توزيع الأدوار والمهام على الجميع، مع مراعاة التوزيع العادل بحسب القدرات، فإجراءات الأهداف المعنوية ستكون واضحة وجاهزة، مع الإشارة إلى ضرورة إشراك كل العائلة في التخطيط، مراعاةً لوضع كل فرد في هذه المؤسسة، لكنْ أليس من الجميل أن تضع الأم بالتعاون مع أفراد الأسرة برنامجًا للأهداف المعنوية، ثم يوزع عليهم بما يحقق الغايات السامية لشهر رمضان المبارك، وفي الجانب الآخر، هناك أهداف مادية لابد من تحقيقها، وحتى لا تقع الأم فريسة العمل المضني بمفردها في شهر رمضان، يتم توزيع المهام والإجراءات على الجميع ليهون الأمر. 3ـ التوجيه: عندما تبدأ عملية التنفيذ، تبدأ معها وظيفة التوجيه، وتعنى بتحفيز الأبناء وإرشادهم لتحصيل تعاونهم، وتجسيد القيادة الرحيمة يضفي جوا من الأنس والسكينة على البيت. 4ـ الرقابة: في أثناء كل يوم وبعد انتهائه، وصولًا إلى نهاية الشهر الفضيل، ستقوم الأم بالتأكد من حسن تنفيذ الإجراءات الموصلة الى الأهداف، سواء كانت جسدية متعلقة بإعداد الوجبات، من تجهيز المائدة، وإعداد العصائر، وتنظيف المكان بكل تفاصيله، ومواعيد النوم والراحة، وغيرها مما لا يسع المقام لذكرها، أو من جهة التأكد من الالتزام ببرنامج الأهداف المعنوية للاستفادة الأكمل من أيام الشهر الكريم، وهو الأهم. شهر رمضان محطة إلهية فائقة الجمال، والأم نعمة الإله بيننا، ومن آداب شكر المنعم على نعمه، حفظها وحسن التصرف حيالها، ومن أجمل السلوكيات مع الأمهات مساندتهن والوقوف إلى جانبهن، وعدم تركهن لتحمل كل الأعباء على كاهلهن لوحدهن.