خُرُوجُ المُختَارِ لِأَخذِ الثَّأر
لقد كانت النتيجة بعد تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) أن تفجر الموقف، وتتالت الثورات من قبيل ثورة التوابين، وثورة المدينة، وثورة زيد بن علي (رضي الله عنه)، وثورة المختار الثقفي (رحمه الله) وغيرها.. وهذه الثورات بطبيعتها تُقلّل من شعبية الحاكم من جهة، ومن جانب آخر تشق الطريق للمعارضة لأن تصرخ بكلمة الحق أمام الناس، وتوقظ الضمير الشعبي. حينما وصلت أخبار الكوفة إلى عبد الله بن الزبير، طمع في تسخير الكوفة لتحقيق أغراضه، فقال له المختار: إني أعرف جماعة في الكوفة لو نصبت لهم أميراً ذا رفق وعلم لاجتمع لك منهم جيش عظيم يمكنك بهم التغلب على أهل الشام، قال مَن هم؟ قال المختار: هم شيعة بني هاشم، فقال ابن الزبير: فقد اخترتك لهذا الأمر، فقدم الكوفة وراح يدأب على رثاء الطالبيين وشيعتهم، ويُظهر الجزع والتألم عليهم، ويحرّض الناس على الثأر من قتلة أهل البيت (عليهم السلام).(1) فقد ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي سنة 66هـ في العراق طالباً الثأر للإمام الحسين (عليه السلام)، وقد تتبع قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء وقتلهم، ويُقال في يوم واحد قتل منهم مائتين وثمانين رجلاً، وكان منهم عبد الله بن زياد، وعمر بن سعد، والشمر، وسنان وغيرهم عليهم لعنة الله. كان يعرف جيداً أنَّ أيّ تحرك شيعي لابدّ له من زعامة من أهل الرسالة (عليهم السلام) وأن الانطلاق ينبغي أن يتم باسمهم، ومَن أفضل من الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وإن رفض الاستجابة، فليس أمامه غير محمد بن الحنفية وهو عمّ الإمام السجاد (عليه السلام)، ومن هنا كاتب المختار الإمام زين العابدين (عليه السلام) وعمّه معاً. أمّا الإمام (عليه السلام) فلن يُعلن عن تأييده الصريح له، لكنه أمضى عمله حينما ثار من قتلة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام), أمّا عمّه محمد بن الحنفية فقد أجاب عن سؤال الوفد الذي جاء من الكوفة ليستفسر عن شرعية الانضمام تحت راية المختار قائلاً: أما ذكرتم من دعاء من دعاكم إلى الطلب بدمائنا فو الله لوددت أن الله (عزّ وجل) انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه.(2) رُوي أنّ ابن الحنفية قال للوفد: قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين (عليهما السلام)، فلما دخلوا عليه وأخبروه خبرهم الذي جاؤوا لأجله، فقال (عليه السلام) لعمّه: يا عم، لو أنّ عبداً زنجياً تعصّب لنا أهل البيت (عليهم السلام)، لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليتك هذا الأمر، فاصنع ما شئت، فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون: أذن لنا زين العابدين (عليه السلام) ومحمد بن الحنفية.(3) يذكر بعض المؤرخين أنه أرسل رأس عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد إلى الإمام (عليه السلام)، فسجد الإمام (عليه السلام) شكراً إلى الله تعالى، وقال: “الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً”.(4) وأيضاً يُذكر أنّ المختار عهد إلى رسوله أن يُدخل الرأس بين يدي الإمام (عليه السلام) وقت ما يوضع الطعام ففعل، فلما رأى الإمام (عليه السلام) الرأس قال: “سبحان الله ما اغتر بالدنيا إلّا مَن ليس لله في عنقه نعمة لقد أُدخل رأس أبي عبد الله على بن زياد وهو يتغدى”.(5) فالتفّ الشيعة حول المختار وتمّت له الغلبة على الكوفة، واستطاع أن يستقطب كبار الشيعة مثل إبراهيم ابن مالك الأشتر وغيرهم إلى أن انتهى به الأمر إلى قتله على يدي مصعب بن الزبير وهو أخو عبد الله بن الزبير والحمد لله ربّ العالمين. ................................ (1) منتهى الآمال: ج3، ص84. (2) أعلام الهداية: ج6، ص80. (3) بحار الأنوار: ج45، ص365. (4) أعلام الهداية: ج6، ص81. (5) أعلام الهداية: ج6، ص81. ينقله من كتاب العقد الفريد: ج5، ص143.