سر من الأسْرار

أمل حميد الموسويّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 81

إحدى تجليات الرحمة الإلهية ارتبطت بالبحث في ثنايا الآيات والأدعية والعبادات، فما تزال تكتنفها أسرار ومعاجز في أثرها وفضلها، وما تحمله من جوائز وقرة عين للمؤمنين، جعلها الله سبحانه ميزة لمن أراد الاستزادة من فضائل فيض الرحمة الإلهية، وأشار إليها ضمنًا أو مفصلًا في كتابه الكريم، بعضها قد منحنا مفاتيحها المعصومون (عليهم السلام) تصريحًا أو تلميحًا في رسائلهم أو خطاباتهم لأتباعهم المؤمنين، وبعضها ما تزال أسراره خافية على الجميع، إلا من ارتضى الله تعالى إيمانه، من قبيل فضل (صلاة الليل)، و(ليلة القدر)، والمقصود من (السر المستودع فيها) عند الصلاة على مولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). لذلك ارتبطت الرحمة الإلهية والعطية المضاعفة بالجهد، والتعب، والمعاناة، والدراسة التي يؤديها المؤمن ابتغاء مرضاة الله ومغفرته، ولأن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أول الناس إيمانًا، وجهادًا، وفداءً لله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، كان فضل محبته والإيمان بولايته سرا من أسرار عطايا الله ورحمته للموالين، ومن كبرى الفضائل التي تجلت في سيرة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ليست الشجاعة والقتال، ولا سبقه بالطاعة والفداء والتصدق فحسب، إنما تكفيه فضيلة حمله عبء البغض والكراهية التي امتدت من حسد القوم له حين آثره الله ورسوله في أكثر من موقف، إلى محاربة العترة الطاهرة الأوصياء من بعده، مستحفظًا بعد مستحفظ، والأمة مصرة على منابذته وعداوته، ليس هؤلاء فحسب، بل امتدت البغضاء إلى كل محبيه والمتمسكين بولايته من عامة الناس. هذا العبء الكبير الذي فدى به حبيبه وأخاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما كان سيفه ذو الفقار قاطعًا لرؤوس المردة الفسقة الجاحدين لفضل النبوة، فبقيت ثارات الجاهلية وعتاتها بعيدة عن شخص الرسول الكريم، وانصب العداء بكل قوته على كل من ارتبط بالإمام علي (عليه السلام)، حتى والده سيد البطحاء أبو طالب (عليه السلام)، بما سعوا فيه لتشويه سيرته ومحبته ودفاعه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والطعن في دينه وإسلامه، ليس بغضًا به، بل بغضًا بعلي (سلام الله عليه)؛ لذلك كان إدراك منزلة أبي الأئمة، وأخي النبي، وزوج ابنته، صعبًا، وربما يعده من لا يفهم أو يعي، خارج المنطق، وبعيدًا عن تصوراتهم القاصرة. ومن الأسرار العظيمة التي منحها الله سبحانه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ارتباط (ليلة القدر) وبهائها بسيرته؛ لأن كليهما لا يعرف فضله إلا بعد جهد جهيد، لا يحصل عليه إلا ذو حظٍ عظيم قد ناله من خصائص الإيمان والطاعة والموالاة، ونكتشف بعض هذه الأسرار في استشهاد الإمام علي (عليه السلام) وجرحه المرتبط بليالي (القدر)، وجعل الإمام شافعًا لمواليه في هذه الليلة التي غاب تحديدها وأسرار فضلها عنا، فهي خير من ألف شهر، والألف هنا ليست ألفًا عددية، إنما تشير إلى الكثرة والمبالغة؛ لذلك نتوجه بالدعاء والتضرع إلى الله في هذه الليالي المباركة أن يكون مولانا أمير المؤمنين (عليهةالسلام) شافعًا مشفعًا لنا وللمؤمنين جميعًا بما منحه الله سبحانه المنزلة العظيمة ليكون شفيعًا لهذه الأمة في هذه الليلة المباركة.