الجانب الإعجازي للإسْراء والمعْراج

خديجة رحيم السعيدي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 66

قال الله تعالى: (سبْحان الذي أسْرى بعبْده ليْلًا من الْمسْجد الْحرام إلى الْمسْجد الْأقْصى الذي باركْنا حوْله لنريه منْ آياتنا إنه هو السميع الْبصير) (الإسراء:1)، هذه الآية المباركة تشير إلى الإسراء والمعراج للنبي (صلى الله عليه وآله)، وهناك حقائق كونية تبين عظمة هذه المعجزة، فمثلًا يبلغ متوسط المسافة بين الشمس والأرض ما يقارب (149.6) مليون وحدة فلكية، أي يستغرق وصول ضوء الشمس إلى الأرض (8.3) دقيقة تقريبًا، وبحسب موقع (Nine playeds) لوكالة ناسا، لو انطلقت مركبة فضائية خيالية من الأرض تسافر نحو (246.960 كم) في الساعة باستمرار، فستصل إلى الشمس في (606) ساعة أو (25) يومًا، ولكن لا يمكن ضمان ثبات سرعة المركبة، هذا بالنسبة إلى الشمس التي تعد من الأجرام القريبة التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، أما بالنسبة إلى الفضاء والمجرات، فالعلم يحدد المسافة بين الأرض وأبعد مجرة بـ(20,000) سنة ضوئية، بغض النظر عن اكتشاف العلماء لمجرات أبعد كل يوم، أي أن الضوء يستغرق (20,000) مليون سنة أو أكثر حتى يقطع المسافة بين الأرض والسماء الدنيا، فضلًا عن كون الضوء يدور حول الأرض (7.5) مرة في الثانية الواحدة، أي أن الرحلة من الأرض إلى السماء الأولى قد تستغرق مليارات من السنين للوصول إليها، إذًا فالمعراج معجزة من معاجز النبي (صلى الله عليه وآله)، أما الإسراء به (صلى الله عليه وآله) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في دقائق، وهي رحلة لا يمكن اجتيازها إلا بأيام، فهو القسم الأول من المعجزة، وقد تفقد النبي (صلى الله عليه وآله) بيوت الأنبياء (عليهم السلام)، وصلى عند كل محراب ركعتين، ثم بدأ القسم الثاني وهو العروج إلى السماوات السبع، وشاهد آثار النجوم، وأرواح الأنبياء، ودرجات الجنة، ثم واصل رحلته إلى (سدرة المنتهى)، فما (سدرة المنتهى)؟ وأين توجد، وكم من الوقت يلزم للوصول إليها؟ ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: "إنما سميت سدرة المنتهى لأن أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة، قال: والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما يرفعه إليهم الملائكة من أعمال العباد في الأرض، فينتهي بها إلى محل السدرة"(1)، وبحسب ما ورد في الروايات الشريفة أن المسافة بين سماء وسماء هي (500) عام، و(سدرة المنتهى) توجد في السماء السادسة، أي تبعد (3,000) عام! إضافة إلى المسافة بين المساجد والمسافة بين الأرض نضيف مسافة السماوات في ما بينها، فينتهي بنا المطاف إلى سنوات لا تعد ولا تحصى، وكل تلك المسافات التي ذكرت، وكل الأوقات والأزمنة التي لو قدرناها بسنين الدنيا لاستغرقت الدهور والعصور ليقطعها الإنسان ليصل إلى السماء، لكن قطعها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في ليلة واحدة! وهذه المسألة ينبغي التمعن فيها أكثر، مثلما ورد في قوله تعالى في الآية الأولى من سورة (الإسراء)، فوجه الابتداء بها تنزيه الله تعالى عن كل نقص، فكلمة (سبحان) تعني التنزه، تنزيهًا للذي أسرى بعبده، وتبرئةً له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكًا، وأن له صاحبةً وولدًا، وتعظيمًا له عما أضافوه إليه، ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم، فالوجه من التسبيح العظمة، فإذا أردنا معرفة عظمة الله تعالى تأملنا في الإسراء والمعراج. ......................... (1) بحار الأنوار: ج55، ص51.